للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي لفظٍ من عند ابن إسحاق (١): ولا صَخَّابٍ في الأسواقِ ولا مُنْبَرٍ (٢) بالفحشِ ولا قَوَّالٍ للخَنَا، أسدِّدُه بكلِّ جميلٍ، وأهَبُ له كلَّ خُلُقٍ كريمٍ، ثم أجعلُ السَّكِينَةَ لباسَه، والبِرَّ شعارَه، والتَّقوى ضميرَه، والحكمةَ معقولَه، والصِّدقَ والوفاءَ طبيعتَه، والعَفْوَ والمعروفَ خُلُقَه، والعدلَ سيرتَه، والحقَّ شريعتَه، والهدى إمامَه، والإسلامَ مِلَّتَه، /٦ وأحمدَ اسمَه، أَهْدِي به بعد الضلالةِ، وأُعَلِّمُ به بعد الجهالةِ، وأرفع به بعد الخمالةِ، وأُسَمِّي به بعد النُّكْرةِ، وأُكْثِرُ به بعد القِلَّةِ، وأُغْني به بعد العَيْلَةِ (٣)، وأجمع به بعد الفُرْقةِ، وأُؤلِّفُ به بين قلوب مختلفةٍ، وأهواء مشتَّتةٍ، وأُمَمٍ متفرقةٍ، وأجعلُ أُمَّتَهُ خير أُمَّةٍ أُخرجتْ للنَّاسِ.

فانظر إلى هذه الآيات والأحاديث، وتفطَّنْ لما تتضمنُ من تعظيم خُلاصة الوجودِ، والتَّعريفِ بقَدْرِ نُخْبَةِ هذا العالم الموجودِ، ففيما تلوناه عليك نِهايةُ المدح والتعظيم والتَّبجيل، وإيِجابٌ لفعل ذلك مع جنابه الشريفِ الأسمى على كلِّ جيل، كما نَطَقَ به القرآن بعد التَّوراةِ والإنْجيلِ، وهذا النوع من الآيات والآثار الُمفْصِحَةِ بعظيم قَدْرِ مَنْ عَظَّمَ الله قدره لاسيما قدر المصطفىصلّى الله عليه وسلّم، ووجوبِ تعظيم مَحِلِّهِ الأثير أكثر من الكثير، وإنما أتينا من ذلك بقطرةٍ من غَمَامٍ (٤)، وذَرَّةٍ من

شَمَامٍ (٥) ودُرَّةٍ من مَغَاصٍ (٦)


(١) محمد بن إسحاق بن يسار، إمام أهل زمانه في السير، ولد سنة ٨٠ هـ، رأى أنس بن مالك وسعيد بن المسيب، توفي سنة ١٥١ هـ. الطبقات الكبرى ٧/ ٣٢١، تاريخ بغداد ١/ ٢١٤، و سير أعلام النبلاء ٧/ ٣٠٣.
(٢) انبرى له: اعترض، وتَبَّريْتُ لمعروفه: تعرَّضْتُ. القاموس (بري). وجاء رسم الكلمة في الأصل: (منبري) ص ١٢٦٢.
(٣) العَيْلَة: الفقر. عَالَ يَعيل عَيْلاً وعَيْلَة. القاموس (عيل) ص ١٠٣٧.
(٤) الغَمَامُ جمع: غمامة، وهي: السحابة، أو البيضاء من السحاب. القاموس (غمم) ص ١١٤٣.
(٥) شَمَامُ: جبل بالعالية. اللسان (شمم) ١٢/ ٣٢٧.
(٦) المغاص: المكان الذي يَنْزِلُ إليه الغوَّاصُ في البحر لاستخراج اللؤلؤ. انظر: القاموس (غوص) ص ٦٢٥.