للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: حكى عن بعضهم أنه دخل عليه بعض الفقراء فلم ير في بيته شيئًا من المتاع.

فقال له: أما لكم شيء؟

قال: نعم، لنا داران، دار أمن ودار خوف.

فما يكون لنا من الأموال ندخره في مقام الأمن يعني الآخرة.

فقيل له: إنه لا بد لكل منزل من متاع.

فقال: إن صاحب هذا المنزل لا يدعنا فيه.

نادرة: الدنيا وديعة، أو عارية (١)، ولا بد للمُعير أن يرجع، وللمودع أن يأخذ ما أودع.

وما المال والأهلون إلَّا وديعة … ولابد من يوم ترد الودائع

الثالثة: عن مالك بن دينار قال: إن اللَّه تعالى جعل الدنيا دار مفر، والآخرة دار مقر.

فخذوا من مفركم لمقركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم.

ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم.

إنما مثل الدنيا كالسُّم أكله من لا يعرفه، ومثل الدنيا كالحية مسَّها لين وفي جوفها السُّم القاتل فحذرها ذو العقول، وأهوى الصبيان إليها بأيديهم.

الرابعة: كان أبو نصر (٢) يخرج في كل جمعة وصلاة الغداة فيدخل السوق مما


(١) العارية في ذاتها من أعمال البر التي تقتضيها الإنسانية لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضا فهي مندوبة بحسب ذاتها، وقد يعرض لها الوجوب مثل احتياج شخص من آخر مظلة في الصحراء في الحر الشديد يتوقف عليه حياته أو إنقاذه من مرض، وقد يعرض لها الحرمة كما إذا كان عند شخص جارية أو خادمة تشتهي وطلب إعارتها منه شخص يختلي بها أو قضاء أربه منها. انظر الفقه على المذاهب الأربعة (٣/ ٢٣٧).
(٢) أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء، المروزي، البغدادي، الزاهد الكبير المعروف ببشر الحافي، كان عديم النظير زاهدًا وورعا وصلاحا، كثير الحديث إلا أنه كان يكره الرواية ويخاف من شهوة النفس في ذلك حتى أنه دفن كتبه، قال أبو بكر المروزي: سمعت بشرا يقول: الجوع يصفي الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق، قال أحمد بن حنبل لما مات بشر: مات وما له نظير في هذه الأمة إلا عامر بن عبد قيس، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا، توفي سنة (٢٢٧). تاريخ الإسلام للذهبي وفيات (٢٢١ - ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>