للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلي الثنية فلا يزال يقف على مربعة مربعة يقول: يا أيها الناس: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ (١) الآية.

إن العبد إذا مات صحبه أهله وماله وبقي عمله (٢) فاختاروا لأنفسكم ما يؤنسكم في قبوركم، فلا يزال في مربعة مربعة حتى يأتي مصلى رسول اللَّه ثم يمضي إلى الجمعة ولا يخرج من المسجد حتى يصلي العشاء الآخرة.

وأنشد بعضهم:

ومن يكن همه الدنيا ليجمعها … فسوف يومًا على رغم يخليها

على تشبع النفس من دنياه يجمعها … ومبلغه من قيام العيش يكفيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها … إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فمن بناها بخير طاب مسكنها … ومن بناها بشرٍّ خاب بانيها

فاعرف أصول التقى ما عشت مجتهدًا … واعلم بأنك بعد الموت تجنيها

الخامسة: عن رجل من بني شيبان أن عليًا خطب فقال: الحمد للَّه أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليربح به عليكم ويوقظ به نائمكم.

واعلموا بأنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقوفون على أعمالكم (٣) ومجزون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالفناء محفوفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال (٤)، وهي بين أهلها دول ومحال، لا تدوم أحوالها، ولن يسلم مَن مِن شرِّها نُزَّالها.


(١) سورة البقرة (٤٨)، (١٢٣).
(٢) روى البخاري في صحيحه (٦٥١٤) كتاب الرقاق، ٤٢ - باب سكرات الموت روى مسلم في صحيحه [٥ - (٢٩٦٠)] كتاب الزهد والرقائق، في مقدمته، عن أنس بن مالك قال رسول اللَّه : "يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، تبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله" واللفظ لمسلم وقد رواه الترمذي (٢٣٩٧)، والنسائي (٤/ ٥٣ - المجتبى).
(٣) قال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)﴾ أي قفوهم حتى يسألوا عن أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدار الدنيا كما قال الضحاك عن ابن عباس يعنى احبسوهم إنهم محاسبون. تفسير ابن كثير (٤/ ٤).
(٤) روى مسلم في صحيحه [٤ - (٢٩٥٩)] كتاب الزهد والرقائق، في مقدمته، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه قال: يقول العبد: "مالي مالي، وما له من ماله إلا ثلاث؛ ما أكل فأفنى، وما لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس". =

<<  <  ج: ص:  >  >>