للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطوى اللَّه لنا البعد (١) حتى وصلنا إلى قصر مشيد عالي البناء، حسن الفناء، وحوله أنهار تتفجر، فشكرنا اللَّه على ذلك وأسبغنا الوضوء وصلينا.

ثم تقدمنا إلى القصر فإذا على حائطه مكتوب:

هذه منازل أقوام عهدتهم … في رَغْدِ (٢) عيشٍ خصيب ماله خطر

دعتهم نُوَّب (٣) الأيام فارتحلوا … إلى القبور فلا عين ولا أثر

ورأينا في وسط الدار سريرًا من فضة وعليه هذه الأبيات:

ما زلت تطلب ما يردى وتمعن في الطلب … وملكت ما أمكنت من أرض الأعاجم والعرب

مرت إليك يد الرَّدى (٤) … فذهبت فيمن قد ذهب

قال: ورأينا بستانًا فيه لوح رخام عليه مكتوب:

قد كان صاحب هذا القصر مغتبطًا … في ظل عيش يخاف الناس من بأسه

إذ جاءه بغته (٥) بالأمر ذلَله … فخر ميتًا وزال التاج عن رأسه

فاخرج إلى القصور وانظر كيف أوحشه … فقدان أربابه من بعد إيناسه

قال: فاستحسنا ذلك ورجعنا إلى القبة فإذا وسطها قبر عند رأسه لوح من رخام أبيض وعليه مكتوب:

أنا رهين التراب في اللَّحد وحدي … واضعًا تحت لبنة التراب خدِّي

غيره:

باتوا قُلَلَ (٦) الأجيال تحرسهم … غلب الرجال فلم تنفعهم القلل


(١) روى الترمذي في سننه وحسنه (٣٤٣٤) عن أبي هريرة: كان رسول اللَّه إذا سافر فركب راحلته، قال بإصبعه: "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصحك، واقلبنا بذمة، اللهم ازو لنا الأرض، وهون علينا السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب".
(٢) الرَّغد من العيش: الواسع الذي لا عناء فيه، ويقال: هو في رغد من العيش: رزق واسع.
وعيشة رغد: واسعة طيبة، والرَّغيد: العيش الطيب الواسع.
(٣) النائبة: ما ينزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة، جمعها: نوائب. والنَّوبة: النازلة، جمعها: نُوَب.
(٤) الرَّدى: الهلاك، ورَدَى: هلك، وفي الهوة: سقط.
(٥) بَغَتَةُ: بَغْتًا: وبَغْتَةً: فجأهُ وبهته. وبَاغَتَهُ: مباغتة وبغاتًا: فاجأهُ.
(٦) قُلَّة كل شيء: قمته وأعلاء ومنه: قُلَلُ الجيال. وجمعها: قُلَلَ: وقِلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>