للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمررت بمقبرة لأهلي فجلست عند قبر، فغلبتني عيني فرأيت في نومي كأن أهل القبور قد خرجوا من قبورهم.

فقعدوا حِلقًا حِلقا يتحدثون، وإذا بشاب عليه ثياب دنسة، قعد في جانب المقبرة مغمومًا مهمومًا فريدًا بنفسه.

فلم يلبثوا إلَّا ساعة حتى أقبلت ملائكة على أيديهم أطباق مغطاة بمنديل كأنه قال: من نور فكلما جاء أحد منهم طبق أخذه (١) ودخل في قبره حتى بقي ذلك الفتى في آخر القوم، فلم يأته شيء فقام حزينًا ليدخل قبره.

فقلت: يا عبد اللَّه ما لي أراك حزينًا؟ وما الذي رأيت؟

قال: يا صالح (٢) هل رأيت الأطباق؟

قلت: نعم، فما هي؟

قال: تلك صدقات الأحباء ودعاؤهم لموتاهم تأتيهم ذلك ليلة الجمعة ويومها. ثم ذكر كلامًا طويلًا، ذكر فيه أن له والدة اشتغلت عنه بالدنيا، وتزوجت والتهت وأنه يحق له أن يحزن، إذ ليس له من يذكره.

فسأله عن منزل والدته أين هو؟

فوصفه لي، فلما أصبح ذهب وسأل عنها.

فقص عليها قصته.

فبكت ثم قالت: يا صالح من نزل عن كبدي والحشا ومن كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حِوَاء.

ثم دفعت لي ألف درهم وقالت: تصدق بها عن حبيبي وقُرَّة عيني، ولا أنساه من الدعاء والصدقة في بقية عمري إن شاء اللَّه.


= روى عن الحسن، وبكر بن عبد اللَّه ومحمد بن سيرين وقتادة وأبي عمران الجوني، وثابت ومالك بن دينار وطائفة.
قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو داود: لا يكتب حديث، وقال أبو سعيد بن الأعرابي: كان الغالب عليه كثرة الذكر والقراءة بالتحزين يقال إنه أول من قرأ بالبصرة، توفي سنة (١٧٢). تاريخ الإسلام وفيات (١٧١ - ١٨٠).
(١) انظر ما تقدم في ثواب وصول الصدقة للميت عن النووي في شرح صحيح مسلم.
(٢) قال صالح: للبكاء دواع: الفكرة في الذنوب، فإن أجابت على ذلك القلوب وإلا نقلتها إلى الموقف وتلك الشدائد والأهوال، فإن أجاب وإلا فاعرض عليها التقلب في أطباق النيران، ثم إنه صاح وغشي عليه، وضج الناس، وقال الأعرابي: إن غير واحد ممن سمع قراءة صالح مات منها. تاريخ الإسلام وفيات (١٧١ - ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>