للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: واللَّه لتنتهينَّ عائشة أو لأحجرنَّ عليها فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو للَّه عليَّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدًا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت: لا واللَّه لا أُشَفَّع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلَّم المسور بن مخرمة (١) وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زهرة، وقال لهما أنشدكما باللَّه لما أدخلتماني على عائشة لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة اللَّه وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة ادخلوا، قالوا كلنا، قالت نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي نهى عما قد علمت من الهجرة فإنه قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال" فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها" (٢).

وعن عقبة بن عامر أن رسول اللَّه خرج إلى قتلى أُحد فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالموح للأحياء والأموات (٣) فقال: "إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة (٤) إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم


(١) المسور بن مخرمة بن نوفل بن أُهيب عبد مناف بن زهرة بن كلاب، أبو عبد الرحمن الزهري القرشي، له ولأبيه صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
تهذيب التهذيب (١٠/ ١٥١)، تقريب التهذيب (٢/ ٢٤٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٠٧٣، ٦٠٧٤، ٦٠٧٥) كتاب الأدب، [٦٢] باب الهجرة وقول رسول اللَّه : "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
(٣) معناه خرج على قتلى أحد ودعا لهم دعاء مودع، ثم دخل المدينة فصعد المنبر فخطب الأحياء خطبة مودع كما قال النواس بن سمعان: قلنا يا رسول اللَّه كأنها موعظة مودع، وفيه معنى المعجزة.
(٤) أما أيلة فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت، وفتح اللام، وهي مدينة معروفة في عراق الشام على ساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول اللَّه ودمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة، وبينها وبين دمشق نحو ثنتي عشرة مرحلة، وبينها وبين مصر نحو ثمان مراحل، قال الحازمي: هي آخر الحجاز وأول الشام، واما الجحفة فهي بنحو سبع مراحل من المدينة، بينها وبين مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>