للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ حتى بلغ ﴿يَشْكُرُونَ﴾ (١).

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى. أو قال: يتلبط. فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس: قال النبي : "فذلك سعي الناس بينهما" (٢) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه (٣) -تريد نفسها- ثم تسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه. أو قال بجناحه. حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف".

وفي رواية: "بقدر ما تغرف".

قال ابن عباس: قال النبي : "يرحم اللَّه أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا" (٤) قال: "فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيت اللَّه يبنيه هذا الغلام وأبوه، فإن اللَّه لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمبنه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق كداء (٥) فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائرا


(١) سورة إبراهيم (٣٧).
هذا يدل على ان هذا دعاء؛ فإن بمد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولى عن هاجر وولدها وذلك قبل بناء البيت، وهذا كان بعد بنائه تأكيدا ورغبة إلى اللَّه ﷿، ولهذا قال: ﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧]. [تفسير ابن كثير (٢/ ٥٥٦)].
(٢) أخرجه: أحمد في مسنده (١/ ٣٤٨)، وعبد الرزاق في مصنفه (٩١٠٧).
(٣) قوله "صهٍ" بهذا الضبط، ويروى بسكون الهاء، أي اسكتي.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٣٦٢) كتاب أحاديث الأنبياء، [١٠] باب يزفون: النسلان في المشي، والبيهقي في السنن الكبرى (٥/ ٩٩)، وعبد الرزاق في مصنفه (٩١٠٧)، والسيوطي في الدر المنثور (١/ ١٢٥)، والقرطبي في تفسيره (٦/ ٣٦٩).
(٥) قوله: "كداء" ويروى "كدى" كهدى، وهما ثنيتان بمكة، ونص الفيومي على عدم صرف الأول للعلمية والتأنيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>