للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد ".

وفي رواية: "فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول اللَّه وخاتم النبيين، وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (١)، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ﷿، ثم يفتح اللَّه علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".

ثم قال: "والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحِميَر، أو كما بين مكة وبُصْرى" (٢) متفق عليه.

وعن ابن عباس قال: جاء إبراهيم بأم إسماعيل، وابنها إسماعيل، وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفى (٣) إبراهيم منطلقا (٤) فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آللَّه الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضيِّعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي


(١) هذا مما اختلف العلماء في معناه، قال القاضي: قيل: المتقدم ما كان قبل النبوة، والمتأخر عصمتك بعدها، وقيل: المراد به ذنوب أمته . قلت: فعلى هذا يكون المراد الغفران لبعضهم أو سلامتهم من الخلود في النار. وقيل المراد ما وقع منه عن سهو وتأويل، حكاه الطبري، واختاره القشيري، وقيل ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك، وقيل المراد أنه مغفور لك غير مؤاخذ بذنبك لو كان، وقيل هو تنزيه له من الذنوب . واللَّه أعلم. [النووي في شرح مسلم (٣/ ٤٩) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٤٧١٢) كتاب تفسير القرآن، من سورة الإسراء، [٥] باب ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣)﴾ [الإسراء: ٣]، ومسلم في صحيحه [٣٢٧، ٣٢٨، (١٩٤)] كتاب الإيمان، [٨٤] باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
(٣) قفَّى: معناه: ولَّى راجعا.
(٤) المنطق: ما تشده المرأة في وسطها عند الشغل لئلا تعثر بذيلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>