للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله (١) وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته (٢)، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك اللَّه عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟

فيقول إن ربي ﷿ قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم.

فيأتون إبراهيم، فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي اللَّه وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كِذْبَات، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول اللَّه، فضلك اللَّه برسالته وبكلامه (٣) على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى أنت رسول اللَّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمَّت الناس في المهد صبيًا،


(١) المراد بغضب اللَّه تعالى ما يظهر من انتقامه عمن عصاه وما يرونه من أليم عذابه، وما يشاهده أهل المجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها، ولا شك في أن هذا كله لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله، فهذا معنى غضب اللَّه تعالى، كما أن رضاه ظهور رحمته ولطفه بمن أراد به الخير والكرامة؛ لأن اللَّه تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب والرضاء، واللَّه أعلم.
(٢) قوله : إنهم يأتون آدم ونوحا وباقي الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم فيطلبون شفاعتهم، فيقولون: لسنا هناكم ويذكرون خطاباهم إلى آخره: اعلم أن العلماء من أهل الفقه والأصول وغيرهم اختلفوا في جواز المعاصي على الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عيهم، فقال القاضي عياض: الكفر عيهم بعد النبوة ليس بجائز، واختلفوا فيه قبل النبوة، والصحيح أنه لا يجوز، وأما المعاصي فلا خلاف أنهم معصومون من كل كبيرة، واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر، فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم، وذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن منصب النبوة يجل عن مواقعتها وعن مخالفة اللَّه تعالى عمدًا. [انظر النووي في شرح مسلم (٣/ ٤٦، ٤٧) طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) هذا بإجماع أهل السنة على ظاهره، وأن اللَّه تعالى كلم موسى حقيقة كلاما سمعه بغير واسطة، ولهذا أكد بالمصدر، والكلام صفة ثابتة للَّه تعالى لا يشبه كلام غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>