للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قصة اَصف بن برخيا (١) مع سليمان في عرش بلقيس في قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ (٢).

وكذا قصة ذي القرنين وتمكين اللَّه له ما لم يمكنه لغيره.

ومنه ما أخبر تعالى من العجائب على يد الخضر مع موسى .

وكل هؤلاء ليسوا بأنبياء، وظهورها على أيديهم جائز عقلا، واقع نقلا، وما جاز أن يكون معجزة للنبي جاز أن يكون كرامة للولي، إلا بنحو واله دون واله.

والفارق بين المعجزة (٣) وبينها التحدي والإظهار بخلاف الكرامة، فإنها مكتومة إلا لمصلحة راجحة أو إذن أو سقوط اختيار.

وكل كرامة ظهرت على يد ولي فهي معجزة لنبي تلك الأمة، ولا تظهر إلا على يد ولي بخلاف السحر، ومنكرها محروم، ومخصصها بمن سلف قول غير معصوم. وما هو إلا كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (٤): إسرائيلية صدَّقوا بموسى وكذبوا نبينا، لأنهم أدركوا زمنه.

إذا كنت المكذب يا جهول … عن الآيات تصدقك الحقول

فكن بالفهم ترجع نحو شيء … له الدين المصدق الرسول

بأن الدنيا ما شاء يقضي … قدير ليس يعجزه المهول


(١) قال ابن عاس: هو كاتب سليمان، وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخياء، وكان صديقا بعلم الاسم الأعظم، وقال قتادة: كان مؤمنا من الإنس واسمه آصف، وكذا قال أبو صالح والضحاك وقتادة إنه كان من الإنس، زاد قتادة من بني إسرائيل، وقال مجاهد: كان اسمه أسطوم، وقال قتادة في رواية عنه كان اسمه بلخيا. [تفسير ابن كثير (٣/ ٣٧٦)].
(٢) سورة النمل (٤٠).
(٣) المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء، وظهور الكرامات على الأولياء جائز عفلا وصدقا طالما أن ذلك معلق بقدرة اللَّه تعالى. والفرق بين المعجزة والكرامة أن الأنبياء مأمورون بإظهار معجزاتهم، والولي يجب عليه ستر كراماته وإخفاؤها، وليست الكرامات للأولياء إلا تأديبا لنفوسهم وتهذيبا لها وزيادة لهم. [انظر المعجم الصوفي ص ٢٠٨].
(٤) هو علي بن عبد اللَّه بن عبد الجبار الشاذلي الضرير الزاهد، نزيل الإسكنرية، وشيخ الطائفة الشاذلية، وكان كبير المقدار عالي المنار، له عبارات فيها رموز، صحب الشيخ نجم الدين الأصفهاني وابن مشيش وغيرهما، وحج مرات، ومات بصحراء عيذاب قاصدا الحج، فدفن هناك. قال عطاء في لطانف المنن: سيدي الشيخ أبو الحسن، قطب الزمان والحامل في وقته لواء أهل العيان، حجة الصوفية، علم المهتدين، زين العارفين، أستاذ الأكابر، زمزم الأسرار ومعدن الأنوار. . . . . على آخر كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>