للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما أنكر من أنكر (١) ركب جابر الرحبي -وليُّ اللَّه- ركب أسدًا ودخل الرحبة، وقال: أين الذين يكذبون بأولياء اللَّه؟ فكفوا.

وأما الأحاديث فيه فلا تنحصر، ولنذكر منها اثني عشر حديثا:

أحدها: حديث أبي محمد عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (٢) أن أصحاب الصفة كانوا فقراء، وأنه قال مرة: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس" أو سادس، أو كما قال، وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي بعشرة، وأبو بكر ثلاثة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال: امرأتي وخادمي بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، وأن أبا بكر تعشى عند النبي ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول اللَّه فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء اللَّه، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك، أو ضيفك؟ قال: أو عشيتهم؟ قالت: أبَوا حتى تجيء (٣)، قد عرضوا عليهم فغلبوهم. فذهبت فاختبأت فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا، قال: لا أطعمه أبدا، قال: وايم اللَّه ما كنا نأخذ من اللقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، قالت: لا وقرة عيني، لهي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات.


(١) الدليل على جواز الكرامات للأولياء أن مريم قيل لها: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥] ومريم لم تكن نبية، والآيات والكرامات ربما تنقضي لوقتها، ولكن أكبر الكراهات هو أن تبدل خلقا مذموما من نفسك بخلق محمود، والصوفية في ذلك يقولون: لو أن رجلا بسط مصلاه على الماء وتربع في الهواء فلا تغتر به حتى تنظر كيف تجدونه في الأمر والنهي. [انظر المعجم الصوفي ص ٢٣٥].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٦٠٢) كتاب مواقيت الصلاة، [٤٢] باب السمر مع الأهل والضيف، ورقم (٣٥٨١) كتاب المناقب، [٢٥] باب علامات النبوة في الإسلام، ورقم (٦١٤٠) كتاب الأدب، [٨٧] باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، ورقم (٦١٤١) باب قول الضيف لصاحبه: واللَّه لا آكل حتى تاكل، ومسلم في صحيحه [١٧٦ - (٢٠٥٧)] كتاب الأشربة، [٣٢] باب إكرام الضيف وفضل إيثاره.
(٣) هذا فعلوه أدبا ورفقا بابي بكر فيما ظنوه؛ لأنهم ظنوا أنه لا يحصل له عشاء من عشائهم؛ قال العلماء: والصواب للضيف أن لا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل طعام وتكثيره، وغير ذلك من أموره إلا أن يعدم أنه يتكلف ما يشق عليه حياء منه فيمنعه برفق، ومتى شك لم يعترض عليه ولم يمتنع، فقد يكون للمضيف عذر أو غرض في ذلك لا يمكنه إظهاره، فتلحقه المشقة بمخالفة الأضياف، كما جرى في قمة أبي بكر ، وأما اختباؤه فخوفا من خصام أبيه وشتمه إياه، وقوله: "فجدَّع": أي دعا بالجدع، وهو قطع الأنف وغيره. [النووي في شرح مسلم (١٤/ ١٧) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>