للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد وقع ذلك للشيخ إسماعيل الحضرمي، وأخبر به المحب الطبري لما كان بمقبرة زبيد من بلاد اليمن، وقال صاحب القبر يقول لي: أنا فلان ابن فلان من حشو الجنة.

ومرَّ يومًا على مقبرة ومعه خلق فبكى بكاءً شديدًا، ثم ضحك في الحال. فسئل عن ذلك، فقال: رأيت أهل هذه المقبرة يعذبون، فحزنت لذلك. ثم سألت اللَّه أن يشفعني فيهم فشفعني (١). فقال صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر قريب العهد بالحفر وأنا معهم: يا فقيه إسماعيل أنا فلانة المغنية، فضحكت وقلت: وأنت معهم.

وفي رسالة الأستاذ أبي القاسم أن أبا سعيد الخزاز (٢) قال: كنت مجاورا بمكة حرسها اللَّه فجزت يوما بباب بني شيبة، فرأيت شابا حسن الوجه ميتا، فنظرت في وجهه فتبسم في وجهي وقال لي: يا أبا سعيد أما علمت أن الأحباء أحياء وإن ماتوا، وإنما ينتقلون من دار إلى دار.

وتكلم الشيخ العارف محمد بن أبي بكر الحكيمي بعد أن انشق قبره (٣)، وخرج


(١) قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا، ووجوبها سمعا؛ بصريح قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾، وقوله: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨]، وأمثالها، وبخبر الصادق وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنن عليها، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)﴾ [المدثر: ٤٨]، وهذه الآيات في الكفار، وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل.
(٢) أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز من أهل بغداد، وصحب ذا النون المصري وسري السقطي، وبشر الحافي وغيرهم، وهو من أئمة القوم وجلة المشايخ، وقيل إنه أول من تكلم في علم الفناء والبقاء. ومن كلامه إن اللَّه تعالى عجل لأرواح الأولياء التلذذ بذكره والوصول إلى قربه، وعجل لأبدانهم النهمة بما نالوه من مصالحهم، فعيش أبدانهم عيش الجثمانيين وعيش قلوبهم عيش الروحانيين، وكلن يقول: إذا أراد اللَّه ﷿ أن يوالي عبدا من عببده فتح له باب ذكره، فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب القرب ثم رفعه إلى مجلس الأنس. . . . إلى آخر كلامه. [الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ٧٨)].
(٣) قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ و"كلا" حرف ردع وزجر، أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا تقبل منه. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾ [المؤمنون: ١٠٠] قال قتادة: واللَّه ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة اللَّه ﷿، فرحم اللَّه امرأً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار [تفسير ابن كثير (٣/ ٢٦٣)].

<<  <  ج: ص:  >  >>