للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه منه وهو مشدود الوسط فقال: نحن بعد في الطلب، ومن زعم أنه قد وصل فقد كذب؛ لأنه لا يوصل إلا إلى محدود، واللَّه يتعالى عن النهاية والحدود. ومراده من توهم أنه وصل إلى مقام ليس فوقه مقام فقد كذب لاختلاف المقامات وتفاوت الدرجات.

وفي مناقب قطب العارفين عبد القادر -نفعنا اللَّه به- أنه زار بغداد ومعه جمع من الفقهاء والفقراء، ووقف الشيخ عند قبر الشيخ حماد الدباس (١) زمنا طويلا حتى اشتد الحر، والناس واقفون خلفه، ثم انصرف والسرور بَيِّن في وجهه. فسئل عن سبب طول قيامه فقال: كنت خرجت من بغداد في يوم جمعة مع جماعة من أصحاب الشيخ حماد لنصلي الجمعة في جامع الرصافة، والشيخ معنا.

فلما كان عند قنطرة النهر، دفعني فرماني في الماء، وكان في شدة البرد في كوانين (٢) فقلت: بسم اللَّه غسل الجمعة، وكان على جبة صوف، وفي كمي أجزاء. فرفعت يدي لئلا تبتل وتركوني وانصرفوا، فخرجت من الماء وعصرت الجبة، وتبعتهم وقد تأذيت بالبرد أذى كثيرًا (. . . .) (٣) في أصحابه فنهرهم وقال: إنما أوذيه لأمتحنه، فأراه جبلا لا يتحرك. فإني رأيته اليوم في قبره وعليه حلة من جوهر، وعلى رأسه تاج من ياقوت، وفي يده أساورة من ذهب، وفي رجليه نعلان من ذهب، ويده اليمنى لا تطيعه. فقلت: ما هذا؟ قال: هذه يدي التي رميتك بها فهلا سامحتني على فعلي ذلك؟ قلت: نعم.

قال: فاسأل اللَّه تعالى أن يردها علي، فوقفت أسأل اللَّه في ذلك، وقام خمسة آلاف من أولياء اللَّه في قبورهم يسألون اللَّه أن يقبل مسألتي فيه، ويشفعون عندي في تمام المسألة، فما زلت أسأل اللَّه في مقامي ذلك حتّى ردَّ اللَّه يده، وصافحني بها وقد تم سروره.


(١) حماد بن مسلم الدباس، هو أحد العلماء الراسخين في علوم الحقائق، انتهت إليه رياسة تربية المريدين، وانعقد عليه الإجماع في الكشف عن مخفيات الموارد، وانتمى إليه معظم مشايخ بغداد وصوفيتهم في وقته، وهو أحد من صحب الشيخ عبد القادر وأثنى عليه، وروى كراماته، ومن كلامه: القلوب ثلاثة: قلب يطوف في الدنيا وقلب يطوف في الآخرة، وقلب يطوف بالمولى لا في المولى، فمن طاف في المولى تزندق. وكان يقول: طهر قلبك باليقين لتجري في الأقدار، وكان يقول أقرب الطرق إلى اللَّه تعالى حبه، ولا يصفو حبه حتى يبقى المحب روحا بلا نفى، وما دام له نفى لا يذوق قط محبة اللَّه أبدًا.
(٢) يقصد به شهور البرد: كانون أول وكانون الثاني، وهما ديسمبر ويناير، وفيهما شهري كيهك وطوبة، ويكون فيهما البرد شديدا.
(٣) كلمة غير واضحة بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>