للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما اشتهر هذا ببغداد اجتمع المشايخ والصوفية من أهل بغداد من أصحاب الشيخ حماد (١) وتبعهم خلق كثير من الفقراء، وأتوا المدرسة، فلم يتكلم منهم أحد إجلالا للشيخ، فبدأهم بمرادهم، وقال لهم اختاروا رجلين من المشايخ نبيِّن لهم ما ذكرته على لسانهما.

فأجمعوا على الشيخ أبي يعقوب الهمداني (٢) والشيخ أبي محمد الكردي. وقالوا له: أمهلناك في بيان ذلك على لسانهما جمعة، ففال لهم: بل ما تقومون من مقامكم حتى نحقق لكم الأمر، وأطرق وأطرقوا، فصاح الفقراء من خارج المدرسة.

وإذا الشيخ يوسف أبو يعقوب قد جاء حافيا مشتدا في عدوه حتى دخل المدرسة وقال أشهدني اللَّه الساعة الشيخ حماد وقال لي: أسرع إلى مدرسة الشيخ عبد القادر (٣) وقل للمشايخ الذين فيها: صدق عبد القادر فيما أخبر به عني، فلم يتم كلامه حتى جاء الآخر، وأخبر بذلك، فقام المشايخ كلهم يستغفرون للشيخ عبد القادر، وكان بعض الصالحين يأتي قبر والده في بعض الأحيان، ويتحدث معه ويسمع بعض قرايب الشيخ الصالح بن عجيل يقول في قبره سورة النور والنجم.

والأصفهاني طلع في جنازة بعض الصالحين، فلما جلس بعض الناس من أهل العلم يُلَقِّن الميت (٤) ضحك - وإن لم يكن ذلك عادة له، فسئل عن ذلك فقال:


(١) وكان يقول أقرب الطرق إلى اللَّه تعالى حبه، ولا يصفو حبه حتى يبقى المحب روحا بلا نفس، وما دام له نفس لا يذوق قط محبة اللَّه أبدًا، وكان يقول: أزل الهوى من القدر تعرف، وأزل الهوى من الخلق وأمر تخلص، وعلى قدر ما عندك من الأمر تسلم، وبقدر ما عندك من القدر تعرف.
(٢) هو أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمداني أحد الأئمة، وانتهت إليه تربية المريدين بخراسان، واجتمع عنده بخانفاته من العلماء والصلحاء جماعة كثيرة، وانتفعوا به وبكلامه، وقال إبراهيم الحوفي: كان الشيخ يوسف الهمداني يتكلم على الناس فقال له فقيهان كانا في مجلسه: اسكت فإنما أنت مبتدع، فقال لهما: اسكتا لا عشتما فماتا مكانهما. توفي سنة (٥٣٥) [الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ١١٧)].
(٣) قال ابن الأحض: كنا ندخل على الشيخ عبد القادر في الشتاء وقوة برده، وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقية والعرق يخرج من جسده، وحوله من يروح بمروحة كما يكون في شدة الحر، وكان يقول لأصحابه: اتبعوا ولا نبتدعوا، وأطيعوا ولا تخالفوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تتمزقوا، وانتظروا ولا تيأسوا، واجتمعوا على الذكر ولا تتفرقوا، وتطهروا عن الذنوب ولا تتلطخوا، وعن باب مولاكم لا تبرحوا. [الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ١١١)].
(٤) روى مسلم في صحيحه [١ - (٩١٦)] كتاب الجنائز، [١] باب تلقين الموتى لا إله إلا اللَّه. وقال النووي: معناه من حفره الموت، والمراد ذكَّروه "لا إله إلا اللَّه" ليكون آخر كلامه كما في الحديث: "من كان آخر كلامه: "لا إله إلا اللَّه" دخل الجنة" والأمر بهذا التلقين أمر ندب.=

<<  <  ج: ص:  >  >>