للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاجر، وأنه حصل له حقنة شديدة فنزل إليه الشيخ من كرسيه مرقاة ظهر عليها رأس، ثم نزل أخرى، فظهر كتفان وصدر، وما زال ينزل مرقاة مرقاة حتى تكمل الكرسي صورة كصورته يتكلم على الناس بصوت كصوته، وجاء يشق الناس حتى وقف عليه، وغطى رأسه بكمه أو بمنديله، وإذا هو بصحراء فيها نهر عند شجرة.

فعلق مفاتيح كانت في كفه، فأزال حقنته، وتوضأ وصلى ركعتين، فلما سلم رفع الشيخ الغطاء عنه، فإذا هو في المجلس، وأعضاؤه مبتلة بالماء (١) ولا حقنة به، والشيخ يتكلم على الكرسي، كأن لم ينزل، وتفقد مفاتيحه فلم يجدها معه، ثم بعد مدة جهز قافلة لبلاد العجم، وساروا من بغداد أربعة عشر يوما، ونزلوا منزلا في استراحة فيها نهر، فإذا بمفاتيحه معلقة على الشجرة.

فعاد على الشيخ فأمسك بأذنه وقال: لا تخبر به وأنا حي (٢).

قال بعض السادة، فما الشأن في الطيران، إنما الشأن في أخوين أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب، فيشتاق كل منهما إلى زيارة الآخر فيجتمعان وكل واحد منهما على سجادة، ويتحدثان ثم يعودان إلى مكانهما من غير حركة منهما.

وأخبرني بعض ثقات المقادسة عن بعض الأولياء من أهل حماة أنه قال: لي صاحبان إذا طلبت أحدهما ناديته من تحت الحصير، فإذا هو بالباب، والآخر يمر بخاطري، فإذا هو بالباب، ومن زوى البحر لهم ما وقع لابن الأزهر أنه قال: مكثت مدة أسأل اللَّه أن أرى أحد رجال الغيث، فرأيت في المنام كأني زرت قبر الإمام أحمد، وعنده رجل وقع في نفسي أنه منهم، فاستيقظت وأتيت قبر الإمام أحمد، وإذا هو بعينه، فتبعته، فلما وصل دجلة التقى كل طرفاها فعبرها، فأقسمت عليه أن يقف ليكلمني، فوقف، فقلت له: ما مذهبك؟ فقال: ﴿حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)﴾ فوقع عندي أنه حنفي المذهب (٣)، فجئت أخبر به الشيخ عبد القادر، فناداني من


(١) علمنا النبي الأخذ بالأسباب، فأخذ حذره وتجهز في هجرته من مكة إلى المدينة، وسار إلى جنوب مكة لخداع المشركين، ولجأ إلى الغار وكان له من ينقل له الأخبار ويحضر لهم الزاد، واتخذ دليلا في هجرته، إلى غير ذلك، هكذا علمنا رسول اللَّه .
(٢) لا بد من شروط للولي، وهي الاتصاف بمحامد الأخلاق من التقوى والإيمان، ولا بد أن تتسع الآفاق لأصحاب الولاية مما يأتون به، ولكن مع اعتبار أن كل ما يظهر منهم ليس من باب الكرامة، يل ربما تكون غواية من الشيطان، أو إضلالا من بعض الجان، وعلامة الولي أن يكون مؤدبا للفرائض والواجبات وترك المحرمات والتقرب إلى اللَّه بفعل المستحبات وترك المكروهات.
(٣) أول من دون الفقه والقانون الإسلامي أبو حنيفة النعمان، قال المكي في المناقب: أبو حنيفة =

<<  <  ج: ص:  >  >>