قالت: سبعون سنة؛ حالي مع مولاي في أكلي وشربي كما ترون، فقلنا: هذا الماء على هذه الحالة كل ليلة؟ قالت: نعم كل ليلة تجيء هذه السحابة في الصيف والشتاء، وهذان الرغيفان والتمر، ثم قالت: أين تريدان؟ قالا: أبا نصر السمرقندي نزوره، فقالت: رجل صالح أبا نصر نقال إلى القوم، فإذا أبو نصر قائم عندنا، فسلم علينا وسلمنا عليه، ثم قالت: إذا أطاع العبد مولاه أطاعه مولاه.
السادسة عشر: عن أبي جعفر الفرغاني -رحمه اللَّه تعالى- قال: كنت عند بعض إخواننا من الصوفية بالديثور، فجاء قوم من الأكراد ليشتري لهم متاعًا، ثم قالوا له: لو علمت لمن نشتري هذا المتاع لسارعت إلى شرائه، فقال لهم: حدثوني، فقالوا: نعم، ثم أومأوا إلى رئيس لهم كانوا معه فقالوا: هذا سيد الحي، وكانت له زوجة فولدت له عدة من البنات، فقال لها وهي حامل: إن ولدت بنتًا فأنت طالق، وقُضي أنا رحلنا رحلة للشتاء نريد نحو المراغة ونواحيها، فبينما نحن نسير ذات يوم، إذ ضرب المرأة الطلق فأخذت ماء كأنها تتوضأ، فولدت جارية، فأخذتها ولفتها في خرقة وتركتها عند كهف جبل، وجاءت وأظهرت أن ذلك الحمل إنما كان ريحا وقد أنفش، ثم غبنا عن ذلك الموضع ستة أشهر، ثم رجعنا فنزلنا بذلك المكان، فأخذت المرأة ماء ومضت نحو الكهف الذي تركت الصبية فيه، فلما قربت منه، إذا غزالة قائمة عند الصبية وهي ترضع، فلما نظرتها الغزالة استوحشت وذهبت، وجاءت الأم إلى الصبية، فأخذتها فبكت وشهقت، فوضعتها وتنحت عنها، فرجعت الغزالة، فلم تزل ترضعها وهي ساكنة، فجاءت المرأة إلى الحي فأخبرتهم بذلك، فجاءوا بأجمعهم إلى الكهف فرأوا الغزالة ترضع الصبية، فلما أحست بهم تنحت، فبكت الصبية، فأخذها النساء، ولم يزلن يرفقن بها حتى سكنت وأنست بهم، وجاءوا بها إلى الحي، وبقيت الغزالة تنظر من بعيد حتى رحلنا، وهذا المتاع الذي نريد نشتريه جهازها، وقد زوجها أبوها.
السابعة عشر: قال بعض الصالحين: رأيت في سياحتي (١) أعرابية صغيرة السن، فقلت لها: أين تنزلون؟ قالت: بالبادية، قلت لها: أما تستوحشون؟ قالت: يا بطال، وهل يستوحش مع اللَّه من أنس به؟!! فقلت لها: من أين تأكلون؟ قالت: اللَّه يعلم من اْين يرزق عباده؛ هو سبحانه يرزق من جحده، فكيف لا يرزق من وحّده، ثم قلت: قلوب عاشت بمعرفته، فطاشت بوحدانيته، وتلاشت في محبته، غذاؤهم
(١) ساح فلان في الأرض سياحة: ذهب وسار فهو سائح، وسيّاح، والسائح: المتنقل في البلاد للتنزه أو للاستطلاع والبحث والكشف ونحو ذلك، جمعها: سُيَّاح.