للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إعراض الخلق عنه، ولا بإقبال الخلق عليه، ثقة بأن الذي قُسم له لا يفوته، وإن أعرضوا عنه، والذي لم يقسم له لا يصل إليه، وإن أقبلوا عليه.

الثالثة عشر: عن بعض الشيوخ قال: دخلت أنا وعشرة نفر في جبل ركام، فسرنا فيه، فإذا نحن بواد على حافتيه أشجار مثمرة فيها من كل لون من الثمر، فرأينا من بعيد على شاطئ النهر كُركيًّا (١) قائما، فقربنا منه، فإذا هو مطموس العينين، فبقينا نتعجب من أمره، فبينما نحن قيام إذ أقبلت نحلة سوداء خلفها نحل كثير، فلما وصلت إلى الكركي دنت منه ففتح منقاره، فوضعت النحلة فيه عسلا، فلم يزل النحل يدخل واحدة بعد واحدة، ويصبنّ العسل في فيه حتى لم يبقى منه شيء، فامتلأ فمه عسلًا فأطبق عليه منقاره فسقط منه شيء من العسل وأخذته وأكلته وانصرفنا.

الرابعة عشر: قيل: خرج إنسان من أهل الخير يطلب الرزق في وقت حصاد الزرع، فأصابه المطر فآوى إلى كهف فوجد فيه عقابًا أعمى، فبقي متفكرًا، من أين يأكل ذلك العقاب؟!! وإذا بحمامة دخلت الكهف تستكن من المطر، فوقعت فوق العقاب، فأمسكها العقاب وأكلها، فرجع ذلك الإنسان إلى مكانه، وتوكل على اللَّه ﷿.

الخامسة عشرة: عن بعض الشيوخ قال: خرجت أنا وأبو علي البليدي نريد زيارة أخ من إخواننا، فدخلنا البرية، فأصابنا جوع، فإذا بثعلب يحفر الأرض، ويخرج كمامة منها ويرمي بها إلينا، فأخذنا منها حاجتنا، ثم سرنا، وإذا نحن بسبع عظيم قائم، فلما قربنا منه إذا به أعمى، فوقفنا عليه نتعجب منه، وإذا بغراب معه قطعة لحم كبير، فضرب بجناحه على أذن السبع ففتح فمه فطرح فيه قطعة اللحم، فقال لي أبو علي: هذه الآية لنا ليست للسبع، فسرنا في تلك البرية أياما، فإذا بكوخ فيها فقصدناه، فإذا فيه عجوز كبيرة ليس عندها شيء، وعلى باب الكوخ حجر منقوب، فسلمنا وجلسنا عندها، فإذا هي مشغولة بعبادة ربها، فلما غابت الشمس خرجت من الكوخ بعد أن صلت المغرب، ومعها رغيفان عليهما قطعة تمر، فقالت: ادخلا الكوخ فخذا ما لكما فيه، فدخلنا، فإذا نحن باربعة أرغفة وقطعتين تمرًا، وما في ذلك الموضع نخل ولا تمر فأكلنا، فلما كان بعد ساعة جاءت سحابة فأمطرت على الحجر حتى امتلأ، ولم يسقط خارج منه قطرة واحدة، فقلنا لها: كم لك هاهنا؟


(١) الكركي: طائر كبير أغبر اللون طويل العنق والرجلين أبتر الذنب قليل اللحم، يأوي إلى الماء أحيانًا، جمعها: كراكيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>