للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فرآني الشيخ مغتمًا حزينًا فقال: يا ابن بشار، ماذا أنعم اللَّه على الفقراء والمساكين من النعم والراحة في الدنيا والآخرة؛ لا يسألهم اللَّه يوم القيامة عن زكاة ولا عن حج، ولا عن صدقة ولا عن صلة رحم ولا عن مواساة، إنما يُسأل ويُحاسب عن هذا هؤلاء المساكين -يعني الأغنياء- قال: إن الأغنياء في الدنيا فقراء في الآخرة (١)، أعزة في الدنيا أذلة في الآخرة، لا تغتم ولا تحزن؛ فرزق اللَّه مضمون سيأتيك، نحن واللَّه الملوك والأغنياء؛ تعجلنا الراحة في الدنيا والآخرة، ولا نبالي على أي حال أصبحنا وأمسينا، إذا أطعنا اللَّه تعالى، ثم قام إلى صلاته، وقمت إلى صلاتي، فما لبثنا إلا ساعة، وإذا نحن برجل قد جاء بثمانية أرغفة وتمر كثير، فوضعه بين أيدينا وقال: كلوا رحمكم اللَّه. فسلم إبراهيم من صلاته وقال: كل يا مغموم يا حزين، فمر بنا سائل فقال: اْطعموني شيئًا لوجه اللَّه -تعالى- فأعطاه إبراهيم ثلاثة أرغفة وتمرًا، وأعطاني ثلاثة أرغفة وتمرًا، وأكل هو رغيفين وقال: المواساة من أخلاق المؤمنين .

الثانية عشرة: عن الشيخ أبي الحسن الديلمي قال: وصف لي إنسان أسود بأنطاكية يتكلم على القلوب فقصدته، فلما رأيته أبصرت معه شيئا من المباحات يريد بيعه، فساومته وقلت: بكم هذا؟ فنظر إليّ ثم قال: اقعد حتى أبيعه وأعطيك شيئًا من ثمنه؛ فإنك جائع منذ يومين، قال: وكنت جائعا منذ يومين. فتغافلت كأني لم أسمع ما قال، وذهبت عنه وساومت غيره، ثم عدت إليه وقلت: بكم هذا؟ فنظر إليّ وقال: اقعد فإنك جائع منذ يومين، حتى إذا بعنا أعطيناك شيئًا، قال: فوقع في قلبي منه هيبة، فلما باع أعطاني شيئًا، ومضى فمضيت خلفه لعلي أستفيد منه شيئًا بقوله، فالتفت إليّ وقال: إذا عرضت لك حاجة فاتركها للَّه إلا أن يكون لنفسك فيها حظ، فتحجب عن اللَّه، ومن علم أن اللَّه كافيه (٢) لا يستوحش


(١) روى البخاري في صحيحه [٦٥٤٦] كتاب الرقاق، [٥١] باب صفة الجنة والنار، عن عمران بن الحصين، عن النبي قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"، وروى أحمد في مسنده [٢/ ٢٩٦، ٤٥١]: "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام".
(٢) روى الترمذي [٢٥١٦] كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، عن ابن عباص قال: "كنت خلف رسول اللَّه يوما فقال: "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل اللَّه، وإذا استعنت فاستعن باللَّه، واعلم أن الأمة لو اجمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللَّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللَّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"".

<<  <  ج: ص:  >  >>