للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حسن ظنه بربه، والسابق على طاعاته.

ثم ثنى بالمقتصد لأنه بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحدهم مكره، وكلهم في الجنة لحرمة كلمة الإخلاص.

ورتبهم على هذا النسق لأن العاصي داخل في حيز الظالمين، وإذا تاب فمن المقتصدين، وإذا صحت توبته فمن السابقين.

واختلف في معنى هذه الثلاثة (١) على أقوال: أحدها: أن السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا، والظالم يحبس في المقام. فهم الذين قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤].

ورد ذلك في حديث مرفوع من طريق أبي الدرداء.

ثانيها: قال عثمان: "سابقنا أهل الجهاد، ومقتصدنا أهل حضرنا، وظالمنا أهل بدونا" (٢).

ثالثها: قالته عائشة: "السابق من مضى على عهد رسول اللَّه ، والمقتصد أصحابه، والظالم لنفسه مثلي ومثلكم" (٣).

وروي عنها: "السابق الذي أسلم قبل الهجرة، والمقتصد الذي أسلم بعدها، والظالم نحن".

رابعها: السابق المؤمن المخلص، والمقتصد هو المرائي، والظالم الكافر نعمة اللَّه عليه، غير الجاحد لها، وقيل غير ذلك.

وفي الحديث من طريق ابن عمر (٤): "سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.

و ﴿الْحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤]: حزن النار.


(١) روى الترمذي في سننه (٣٢٢٥) في كتاب تفسير القرآن، من سورة الملائكة. فاطر عن أبي سعيد، عن النبي أنه قال: في هذه الآية: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، كلهم في الجنة.
(٢) ذكره ابن كثير في تفسيره (٣/ ٥٧٤) ونسبه إلى عبد اللَّه بن المبارك عن عثمان.
(٣) أخرجه أبو داود الطيالسي بسنده، عن عائشة فجعلت نفسها معنا، وهذا منها من باب الهضم والتواضع، وإلا فهي من أكبر السابقين بالخيرات؛ لأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
(٤) أخرجه الزبيدي في الإتحاف (٨/ ٦٠٠)، والسيوطي في الدر المنثور (٥/ ٢٥٢)، والقرطبي في تفسيره (١/ ٣٤٦)، وابن الجوزي في زاد المسير (٦/ ٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>