للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درهمين أشتري بهما شيئًا فسقطا مني، وأخاف أن يضربني، فدفع إليه عطاء الدرهمين ومضى يصلي إلى وقت المساء، وانتظر شيئًا يفتح عليه، فلم يفتح له بشيء، فقعد على دكان صديق له نجار، فقال له: خذ من هذه النشارة لعلكم تحتاجون إليها تحمون بها التنور (١) فليس لي شيء أواسيك به، وأخذ ذلك في جرابه ورجع إلى بيته، وفتح الباب وطرح الجراب في البيت ومضى إلى المسجد فصلى فيه العشاء، وقعد حتى مضى شيء من الليل رجاء أن ينام أهله لئلا يخاصموه، ثم جاء إلى البيت فوجدهم يخبزون الخبز، فقال: من أين لكم الدقيق، قالت: من الذي حملته من المجراب، ولا تعد تشتري لنا إلا من عند الذي اشخريت منه هذا الدقيق، فقال: أفعل إن شاء اللَّه - تعالى.

العشرون: حكي أن حبيبًا العجمي كان له زوجة سيئة الخلق، فقالت له يومًا: إذا لم يفتح عليك بشيء فأجّر نفسك، فخرج إلى الجبّانة وصلى العشاء، ثم أتى بيته خجلا من توبيخها، مشغول القلب من شرها، فقالت: أين أُجرتك؟ فقال لها: الذي استأجرني كريم؛ استحييت من استعجاله، فمكث كذلك أياما يصلي في الجبانة إلى الليل، وتقول له: أين أجرتك، فيقول لها: استأجرني كريم فخفت من استعجاله، فلما طال عليها الحال قالت له: اطلب أجرتك من هذا، أو أخر نفسك من غيره، فوعدها أن يطلب الأجرة، وخرج إلى عادته، فلما أمسى الليل عاد إلى منزله خائفًا منها، فرأى في بيته دخانًا، ومائدة منصوبة وزوجته مستبشرة فرحة، فقالت: لقد بعث لنا الذي استأجرك ما يبعث الكرام، وقال رسوله لي: قل لحبيب يجد في العمل ويعلم أنَّا لم نؤخر أجرته بخلا بها، ولا عدما فيقر عينًا ويطيب قلبًا، ثم أرته أكياسًا مملوءة دنانير، فبكى حبيب وقال لزوجته: هذه الأجرة من كريم، هذه خزائن السماوات والأرض. (٢)

فلما رأت ذلك تابت إلى اللَّه -تعالى- وأقسمت أنا لا تعود إلى ما تابت عنه.

الحادية بعد العشرين: حكي أن إبراهيم الخواص -رحمه اللَّه تعالى- قال: كان لي وقت، وحرت مرة، فكنت أخرج كل يوم إلى نهر كبير كان حوله خوص، فكنت أقطع شيئا من الخوص وأعمله قفافًا وأطرحه في ذلك النهر وأتسلى بذلك، وكأني كنت مطالبًا به، فجرى وقتي على ذلك أيامًا كثيرة، ففكرت يومًا وقلت: أمضى خلف ما أطرحه من القفاف في الماء لأنظر أين يذهب، فمشيت على شاطئ النهر ساعة ولم


(١) التَّنور: الفرن يخبز فيه، جمعها تنانير.
(٢) قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [المنافقون: ٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>