أعمل ذلك اليوم شيئًا، فإذا عجوز قاعدة على شاطئ النهر تبكي، فقلت لها: ما لك تبكين؟ فقالت: لي خمسة من الأيتام، مات أبوهم، وأصابتني فاقة وشدة بعده، فأتيت هذا الماء يومًا، فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص، فأخذتها وبعتها وأنفقتها عليهم، وأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجئ على رأس الماء، فكنت آخذها وأبيعها، واليوم ما جاءت، قال إبراهيم: فوفعت يدي إلى السماء وقلت: اللهم لو علمت أن لك خمسة من العيال لزدت في العمل، ثم قلت للعجوز: لا تغتمي، فأنا الذي كنت أعمل ذلك، ثم مضيت معها ورأيت موضعها، وكانت فقيرة، فقمت بأمرها وأمر عيالها سنين، أو كما قال.
الثانية بعد العشرين: حكي عن بعض الفقراء قال: كنت يومًا متفكرًا في نفقة العيال، فاشتغل قلبي ساعة، فنمت لأستريح، فرأيت في منامي كأني في جزيرة في وسط بحر، فقلت: من أين يصل إليّ ما آكل وما أشرب في هذا المكان؟ فهتف بي هاتف وقال لي: يا هذا لو كان رزقك خلف سبعة أبحر لأتاك، فانتبهت مسرورًا، وزال عني ما كنت أجد، وبعد ذلك جاءتني رسالة على يد بعض الأصحاب من رجل لم يخطر لي ببال، فقلت: صدق اللَّه ﷿ في قوله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. (١)
وحكى سيدي الشيخ الإمام عبد اللَّه اليافعي قال: كنا جماعة في بعض الأسفار، جمعت بيننا في الطريق الأقدار، فمررنا في بعض الأيام بقرية فنزلنا فيها، وأرسل للجماعة حتى دخلوها إلا واحدًا منهم، فاستعار بُرمة فعصدوا فيها عصيدة وأكلوها إلا واحدًا؛ فإنه غاب عنها ولم ينادوه يأكل معهم منها ومعه قليل من الدقيق لم يجد من يصنعه له من معروف أو صديق، فخرج يدور بدقيقه بين البيوت ليجد من يصنع له ذلك القوت، فبينما هو كذلك يدور، وإذا هو بشخص ضعيف مضرور جمعت القدرة بينهما بواسطة اللطف الخفي من غير وعد، ونادى لسان حال الحكمة الإلهية، هذا رزق هذا الضعيف، ورزقك يأتي بعد، فدفع إليه رزقه ورجع إلى رفقته بلا غذاء، فبينما هو غائب عن علم الغيب، وإذا باللطف الخفي قد بدا.
قيض اللَّه إنسانًا دعاه من بين الجماعة فأطعمه ثريدًا ولحمًا وسمنًا في تلك الساعة حتى شبع وقوي على المشي الكثير، فسبحان الكريم اللطيف الخبير، أيتها النفس الهلوعة الضعيفة اليقين، أما تصدقين، ويحك بوعد الحق المبين؟ أما تتيقن، ويلك بضمان خير ضمين؟ أما توقني بقول أصدق القائلين: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو