للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأخرى ماء ورد -أو قال: ماء- فأكلت من هذه وشربت من هذه، فقلت: حسبي، ولزمت الباب إلى أن قُبلت. (١)

السابعة عشر: عن بعضهم قال: ركبت في مركب في البحر ومعي رفيق، فلما سار المركب سكنت، فطلبوا مرسًا وقربوا المركب من الساحل، وكان إلى جنبي شاب حسن الوجه، فنزل إلى الساحل، ودخل بين أشجار على شط البحر ثم رجع إلى المركب، فلما غابت الشمس قال لي ولصاحبي: إني ميت الساعة، ولي إليكما حاجة، قلنا: ما هي؟ قال: إذا أنا مت فكفناني مما في هذه الرزمة، وخذا هذه الثياب التي عليّ، فإذا دخلتما مدينة صور، فأول من يلقاكما ويقول لكما: هاتا الأمانة، فادفعوها إليه.

فلما صلينا المغرب حركنا الرجل، فإذا هو قد مات، فحملناه إلى الشط، وأخذنا في غسله، وفتحنا الرزمة، فإذا فيها ثوبان أخضران مكتوبان بالذهب، وثوب أبيض فيه صرة فيها شيء كأنه الكافور، ورائحته كرائحة المسك، فغسلناه وكفناه في ذلك الكفن، وحنطناه بما كان في الصُرَّة من الطيب، وصلينا عليه ودفناه، فلما دخلنا مدينة صور استقبلنا غلام أمرد حسن الوجه، عليه ثوب (شرب) (٢) وعلى رأسه منديل ديبقي، فسلم علينا وقال: هاتا الأمانة، فقلما له: نعم وكرامة، ولكن ادخل معنا هذا المسجد نسألك عن مسألة، قال: نعم، فدخل معنا المسجد فقلنا له: أخبرنا من الميت ومن أنت؟ ومن أين له ذلك الكفن؟ فقال: أما الميت فكان من البدلاء (٣) من الأربعين، فأنا بدله، وأما الكفن فإنه جاء به الخضر (٤) وعرَّفه أنه ميت، ثم لبس الثياب التي كانت معنا، ودفع لنا الثياب التي كانت عليه، وقال: بيعاها وتصدقا


(١) ذكره الذهبي في ترجمة ذي النون المصري.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) الأبدال إحدى طبقات الصوفية، ويزعمون أنه إذا ذهب بدل من الأبدال حل محله آخر.
(٤) قال المازري: اختلف العلماء في الخضر هل هو نبي أو لا، واحتج من قال بنبوته بقوله ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢] فدل على أنه نبي أوحي إليه، وبأنه أعلم من موسى ويبعد أن يكون ولي أعلم من نبي، وأجاب الآخرون بأنه يجوز أن يكون قد أوحى اللَّه إلى نبي في ذلك العصر أن يأمر الخضر بذلك، وقال الثعلبي المفسر: الخضر نبي معمر على جميع الأقوال محجوب عن الأبصار -يعني عن أبصار أكثر الناس- قال: وقيل: إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن، وذكر الثعلبي ثلاثة أقوال في أن الخضر كان من زمن إبراهيم الخليل أم بعده بقليل أم بكثير، وكنية الخضر أبو العباس، واسمه بليا -بموحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت- بن ملكان -بفتح الميم وإسكان اللام- وقيل: كليان. النووي في شرح مسلم [١٥/ ١١١] طبعة دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>