للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامسة عشر: عن بعض الأكراد ممن كان يقطع الطريق، وينهب الأموال قال: بينما أنا وجماعة من أصحابي جلوس وقد خرجنا لقطع الطريق (١) فانتهينا إلى مكان فيه ثلاث نخلات، واحدة منهن ليس فيها تمر، وإذا بعصفور يحمل رطبة من نخلة مثمرة إلى رأس تلك النخلة التي ليس فيها تمر حتى تكرر منه ذلك عشر مرات وأنا أنظر، فخطر في نفسي أن أقوم وأنظر، فصعدت النخلة فإذا في رأسها حية عمياء فاتحة فاها، والعصفور يضع الرطب فيه، فبكيت وقلت: سيدي هذه حية أمر نبيك بقتلها، لمَّا أعميتها أقصت لها عصفورا يقوم لها بالكفاية، وأنا عبدك أُقرُّ بأنك واحد أقمتني لقطع الطريق وإخافة السبيل، فوقع بقلبي: يا فلان بابي مفتوح، فكسرت سيفي ووضعت التراب على رأسي وصحت: الإقالة الإقالة، وإذا بهاتف يقول: قد أقلناك، قد أقلناك، فأتيت رفاقي فقالوا: مالك؟ قد أزعجتنا، فقلت: كنت مهجورًا وقد صولحت، وحكيت لهم القصة فقالوا: ونحن أيضًا نصالح.

فرمينا ثيابنا وسلاحنا وأحرمنا وقصدنا مكة، وأقمنا نمشي ثلاثة أيام في البرية، ثم دخلنا قرية، فإذا نحن بعجوز عمياء مررنا عليها، فسألتنا أفيكم فلان الكردي؟ قلنا: نعم، فأخرجت ثيابًا إلينا وقالت: مات ولدي وخلف هذه الثياب، فرأيت النبي في النوم ثلاث ليال يقول: أعطي هذه الثياب فلانًا الكردي، قال: فأخذتها فاكتسيت بها أنا وأصحابي، ثم مضينا إلى أن أتينا مكة.

السادسة عشر: عن ذي النون (٢) المصري -رحمه اللَّه تعالى- أنه قال وقد سئل عن أصل توبته قال: خرجت من مصر إلى بعض القرى، فنمت في الطريق وانتبهت وفتحت عيني، فإذا أنا بقبَّرة (٣) عمياء سقطت من شجرة، فانشقت الأرض، فخرج منها (سكرجتان) (٤) إحداهما من ذهب، والأخرى من فضة، في أحديهما سمسم،


(١) قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] الآية، المحاربة هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب: إن قبض الدراهم والدنانير هن الإفساد في الأرض. تفسير ابن كثير [٢/ ٤٩].
(٢) ذو النون المصري الزاهد -رحمة اللَّه عليه- اسمه ثوبان بن إبراهيم، وبقال: أبو الفيض بن أحمد، ويقال: ابن إبراهيم أبو الفيض، ويقال: أبو الفياض الأخميمي، وأبوه نوبي، وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر، وكان واعظًا، وقال ابن يونس: كان عالمًا فصيحًا حكيمًا أصله من النوبة. تاريخ الإسلام للذهبي، وفيات [٢٤١ - ٢٥٠].
(٣) القُبَّرة: جنس من الطيور، من فصيلة القبريات.
(٤) كذا بالأصل، ومعنى والسكرجة: الإناء الصغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>