للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى من يرجع المملوك إلا … إلى مولاه يا مولى الموالي

فإنك أهل مغفرة وعفو (١) … وتواب ومفضال النوالي

الثالثة عشر: حكي أن شابًا كان يحضر مجلس بعض علماء السلف الوعاظ، وكان الشاب إذا سمع الوعاظ يقول: يا ستار، يهتز كما تهتز السعفة، فقيل له في ذلك، فقال: اعلموا أني كنت أخرج في زي النساء، وأحضر كل موضع فيه عرس أو عزاء تجتمع فيه النساء، فحضرت يومًا عرسًا لبنت بعض الملوك، فسرق عقد لبنت الملك، فصاحوا: أن أغلقوا الأبواب، وفتشوا النساء، ففتشوهن واحدة واحدة حتى لم يبقى إلا امرأة واحدة وأنا، فدعوت اللَّه -تعالى- وأخلصت التوبة وقلت: إن نجوت من هذه الفضيحة لا أعود لمثل هذا أبدًا، فوجدوا العقد مع المرأة التي بقيت، فقالوا: أطلقوا المرأة الأخرى -يعنونني- فأطلقوني وحالي مستور، فمن حينئذ إذا سمعت ذكر الستار أذكر ستره علي ويأخذني ما رأيتم من الاهتزاز.

الحكاية الرابعة عشر: حكي عن الشيخ أبي إسحاق الفزاري (٢) قال: كان رجل يكثر الجلوس إلينا، ونصف وجهه مغطى، فقلت له: إنك تكثر الجلوس إلينا ونصف وجهك مغطى، أطلعني على هذا، قال: وتعطيني الأمان؟ قلت: نعم، قال: كنت شابًا فدُفنت امرأة، فأتيت قبرها حتى وصلت إلى (اللبن) (٣) فنزعته، ثم ضربت بيدي إلى الرداء، ثم إلى اللفافة، فمددتها، وجعلت تمدها هي، فقلت: أتراها تغلبني، فجثيت على ركبتي وجرَّدت اللفافة، فرفعت يدها ولطمتني، وكشف عن وجهه فإذا أثر خمسة أصابع في وجهه، قلت له: ثئم مه، قال: ثم رددت عليها لفافتها وإزارها، ثم رددت التراب، وجعلت على نفسي أن لا أنبش ما عشت، وهذه سبب توبتي.


(١) روى البخاري في صحيحه [٦٣٠٦] عن شداد بن أوس عن النبي قال: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فإن قالها في النهار مؤمنًا بها فمات في يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو مؤمن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
(٢) الإمام إبراهيم بن محمد الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن، أبو إسحاق الشامي الفزاري الكوفي الإمام المصيصي، ثقة حافظ له تصانيف، توفي سنة [١٨٥، ١٨٦]. ترجمته: تهذيب التهذيب [١/ ١٥١]، تقريب التهذيب [١/ ٤١]، الكاشف [١/ ٨٩]، الثقات [٦/ ٢٣]، تاريخ البخاري الكبير [١/ ٣٢١]، الأعلام [١/ ٥٩]، الجرح والتعديل [٢/ ٤٠٢]، الوافي بالوفيات [٦/ ١٠٤]، سير الأعلام [٨/ ٥٣٩]، طبقات الحفاظ [١١٧].
(٣) أظنه يقصد الطين اللبن الذي يوضع لسد اللحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>