للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومات ابن المثنى في الطريق، ودخلت أنا ومولاها مكة، فبينما نحن فى الطواف إذ سمعت كلام مجروح من كبد مقروح وهو يقول:

محب اللَّه في الدنيا سقيم … تطاول سقمه فدواه رآه

سقاه من محبته بكأس … فأرواه المهيمن (١) إذ سقاه

فهام بحبه وسما إليه … فليس يريد محبوبًا سواه

كذاك من ادعى شوقًا إليه … يهيم بحبه حتى يراه

فتقدمت إليها، فلما رأتني قالت: يا سري، قلت: لبيك، من أنت يرحمك اللَّه؟ قالت: لا إله إلا اللَّه، وقع التناكر بعد المعرفة! أنا تحفة، فإذا هي كالخيال، فقلت: يا تحفة ما الذي أفادك الحق بعد انفرادك عن الخلق؟ فقالت: آنسني بقربه، وأوحشني من غيره، قلت لها: مات ابن المثنى، قالت: ، لقد أعطاه مولاه من الكرامة ما لا عين رأت (٢) وهو بجواري في الجنة، قلت: جاء مولاك الذي أعتقك معي، فلم يكن بأسرع ما عاينتها تلقاء الكعبة ميتة، فلما رآها سيدها لم يتمالك أن سقط على وجهه، فحركته، فإذا هو قد قضى نحبه، فأخذت في جهازهما ودفنتهما.


(١) المهيمن: هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، وقيامه عليها باطلاعه واستيلائه وحفظه، فكل مطلع على كنه الأمر مسئول عليه حافظ له فهو مهيمن له. "سلاح المؤمن لابن الإمام" [ص ٢٥٩].
(٢) حديث: قال اللَّه ﷿: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" وكذلك حديث: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" قال النووي: قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها من التمثيل الحسن، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب. النووي في شرح مسلم [١٧/ ١٣٦] طبعة دار الكتب العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>