للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من غير عشيرة، وعلمًا من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنسًا من غير جماعة. ثم شهق شهقة، فلم يفق إلا بعد ثلاثة، وأنشدوا:

ترى المحبين صرعى في ديارهم … كفتية الكهف (١) لا يدرون كم لبثوا

واللَّه لو حلف العشاق أنهم .... قتلى من الحب يوم البين (٢) ما حنثوا

ثم قام فتوضأ وسألني كم فاته من صلاته، فأخبرته فقال:

إن ذكر الحبيب هيج شوقي .... ثم حب الحبيب أذهل عقلي

وقد استوحشت من ملاقاة المخلوقين، وأنست برب العالمين، انصرف عني بسلام، فقلت له: رحمك اللَّه، وقفت عليك ثلاثة أيام رجاء الزيارة، وبكيت، فقال: أحبب مولاك، ولا ترد بحبه بديلا، فالمحبون للَّه هم (يتحابان) (٣) العبَّاد وعلم الزهاد، وهم أصفياء اللَّه وأحباؤه وعباده وأولياؤه، ثم صرخ صرخة وفارق الدنيا، فما كان إلا هُنَيَّةً وإذا بجماعة من العبَّاد ينحدرون من الجبل، فتولوه حتى واروه التراب، فسأل عن اسمه فقال: شيبان المصاب.

وكان فؤادي خاليًا قبل حبكم … وكان يذكر الخلق يلهو ويمرح

فلما دعا قلبي هواك أجابه .... فلست أراه عن قلبك يبرح (٤)

رميت ببين منك إن كنتُ كاذبًا … وإن كنتُ في الدنيا بغيرك أفرح

فإن كان شيء في البلاد بأسرها … إذا غبت عن عيني بعيني تملح (٥)

فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل … فلست أرى قلبي بغيرك يصلح

الرابعة: عن أبي الجوال المغربي قال: كنت جالسًا مع رجل صالح ببيت المقدس، وإذا شاب قد طلع علينا، والصبيان حوله يقذفونه بالحجارة ويقولون: مجنون.


(١) قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩)﴾ [الكهف: ٩].
الكهف هو الغار في الجبل وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون، وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس هو واد قريب من أيلة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرقيم: الكتاب، وقال سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف. "تفسير ابن كثير [٣/ ٧٥] ".
(٢) البين: ما بين القوم من القرابة والصلة والمودة أو العداوة والبغضاء.
(٣) كذا بالأصل.
(٤) برح برحًا وبراحًا: زال، وبرح مكانه زال عنه وغادره، وبراحًا: فارقه.
(٥) ملح الشيء ملاحة: بهج وحسن منظره فهو مليح، جمعها: ملاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>