للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينقذني من الردى (١) … يا صاحب الفعل الحسن

طوبى (٢) لمن بات بكم … مشرَّدًا بلا وطن

السادسة: عن بعضهم قال: كنت بالمصِّيصة، فإذا رجلان يتكلمان في الخلوة مع اللَّه تعالى، فلما أرادا أن ينصرفا قال أحدهما للآخر: تعال نجعل لهذا العلم ثمرة، ولا يكون حجة علينا، فقال: اعزم ما شئت، قال: عزمت على أن لا آكل ما لمخلوق مال فيه صنع، قال: فتبعتهما وقلت: أنا معكما، فقالا: على الشرط؟ قلت: نعم، فصعدا جبل لكام ودلاني على كهف وقالا لي: تعبد فيه، فدخلت فيه وجعل كل واحد يأتي بما قسم اللَّه، وبقيت مدة فقلت: إلى متى أقيم هنا؟ أنا أسير إلى طرسوس وآكل من حلال، وأعلم الناس العلم وأقرأ القرآن، فخرجت ودخلتها، وأقمت بها سنة، فإذا برجل منهما واقف علي يقول: يا فلان خُنت في عهده، ونقضت الميثاق، أما إنك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك كما وهب لنا، قلت: ما هو؟ قال: ثلاثة أشياء: طي الأرض من المشرق إلى المغرب بقدم واحد، والمشي على الماء، والحجبة إذا (سا) (٣) ثم احتجب عني فقلت: بالذي وهب لك هذا الحال إلا ما ظهرت لي فقد شوقت قلبي، فظهر وقال: سل، فقلت: هل لي إلى ذلك الحال عودة، فقال: هيهات، لا يؤتمن الخائن، ثم أنشأ يقول:

من سارروه فأبدى السر مشتهرًا … لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا

وأبعدوه ولم يسعد بقربهم … وأبدلوه ما كان الأسر إحياشا

ومن أتاهم فهم لا يحجبوه به … حاشا ودادهم حاشاهم حاشا

لكن لهم وبهم في كل نابية … إليهم ما بقيت الدهر هشاشا


(١) الردى: الهلاك.
(٢) الطوبى: الحسنى والخير، وفي القرآن ﴿طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)﴾ [الرعد].
(٣) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>