للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رآني طويل اللحية، وفي يدي ركوة كبيرة متزرًا بمئزر، وعلى كتفي مئزر، وفي رجلي (تاسوتة) (١)، فاستشنع منظري، فلما سلمت عليه كأنه ازدراني، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة ناظره شخص، فاستظهر عليه، فقمت وقطعته، ثم دققت حتى لم يفهم كلامي، فعجب مني وأكرمني، فصحبته سنة، فطلبت منه تعليمي الاسم الأعظم فلم يجبني، وأوهم أنه ربما علمني، فلما كان بعد ستة أشهر بعث معي حاجة الى شخص في طبق عليه (مكبة) (٢) مشدود بمنديل، فاستخففته، فكشفته، فإذا فيه فأرة هربت، فغضبت ثم رجعت، فلما رآني تبسم وقال: يا مجنون؛ ائتمنتك على فأرة فخنتني، فكيف أأتمنك على اسمه الأعظم؟ اذهب عني.

الرابعة: عن بعضهم قال: دخلت الخلوة أيام بدايتي، وعاهدت اللَّه أن لا آكل شيئًا إلا بعد أربعين يومًا، فمكثت نيفًا وعشرين، واشتدت بي الفاقة، فخرجت ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في السوق، وإذا بفقير يتمنى رغيف حواري (٣) -أي أبيض- ورطل شوي، ورطل حلوى، فاستثقلته، فحصل ذلك له فأعطانيه، وأمسك بأذني وقال: من هو الثقيل؟ الذي نقض العهد وخرج من الخلوة لأجل الشهوة، أو الذي يطلب من الطيبات المعاش ما يرد عليه القوة والحواس، ثم قال: إن الذي يريد طي الأربعين يطويها على التدريج وإلا ثار عليه كَلِبَ الجوع وهاج، ثم لا يعود إلى هذا المذهب، وتركني وذهب.

الخامسة: عن بعضهم أنه عقد مع اللَّه عقدًا أن لا ينظر إلى مستحسنات الدنيا، فمر يومًا بسوق الصرف، فنظر إلى منطقة (٤) معلقة وأطال النظر فرآه صاحبها، ثم التفت فلم يرها، فأمسكه وقال: أنت سرقتها، وأنت صوفي، فحلفت أني لم آخذ شيئًا، فحمل إلى الأمير وقال: هذا فعال الصالحين؟ فحلفت ثانيًا، فقال رجل من الحاضرين: جردوه، فإذا هي في وسطه، فصرخ الأمير وغشي عليه، فلما أفاق أخبره الخبر، ثم ولى وهو يقول:

يا عدتي في شدتي … إن لم تكن أنت فمن


= كان مع رسول اللَّه جالسًا ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي : "لقد دعا اللَّه ﷿ باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى".
(١) و (٢) كذا بالأصل.
(٣) الحواري: الخالص المنقى من كل عيب.
(٤) المنطقة: ما يشد به الوسط، والنطاق: حزام يشد به الوسط، وإزار تلبسه المرأة تشده على وسطها أثناء العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>