للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه وجه بليغ من وجوه: أحدها: قوله: "كيف تصنع بها"، وثانيها: قوله: "إذا جاءت يوم القيامة، ثالثها: الإعراض عن الاستغفار له، ورابعها: تكرير ذلك والتأوه منه.

وروينا في صحيح البخاري من حديث عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول اللَّه ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم (١)، فمن أظهر لنا خيرًا أَمنَّاهُ وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، اللَّه يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة".

وفيه أن المانع من الحكم بالظاهر إنما هو يقين الوحي، ونحوه كلام عيسى وصاحب جريج وشاهد يوسف (٢) وأن مجرد الاحتمالات لا تصلح مانعًا، كما يشعر به قول الفاروق: "وليس لنا من سريرته شيء" وفيه أن الأعمال البشرية إذا تعارضت مع دعوى الخيرية قدمنا الأعمال كما هو جلي من قوله لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة.

وحاصل الأحاديث إيجاب الحكم بالظاهر مرتبًا على سببه وملازمه، وبيان الأسباب ومحل الحكم بالظاهر، وبيان ما يصرف الناس عن الحكم بالظاهر، وحكمة الحكم بالظاهر، وفائدته وما يزجر عن تركه، وسبب مشروعيته، وما يمنع منه، وما لا يصلح مانعًا، وترجح أحد المتعارضين وسنته ذلك قتال الناس حكمًا بان لا أمان لهم بأنه الظاهر على فترة من الرسل، ومثله الإغارة على من لا أذان (٣) فيهم حكمًا


= إلا اللَّه دخل الجنة"، وقال النووي: مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة اللَّه -تعالى- وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصًا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة.
(١) روى أبو داود في سننه [٣٥٨٦] كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ عن ابن شهاب أن عمر قال وهو على المنبر: يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول اللَّه مصيبًا؛ لأن اللَّه كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف.
(٢) روى الحاكم في المستدرك [٢/ ٤٩٧]، عن ابن عباس قال: "تكلم في المهد أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم"، ورواه ابن جرير بسنده عن ابن عباس، عن النبي قال: "تكلم أربعة وهو صغار. . . . " الحديث، إلا أن الألباني ذكره في سلسلة الأحاديث الضعيفة [٢/ ٢٧٢] رقم [٨٨٠].
(٣) روى البخاري في صحيحه [٦١٠] كتاب الأذان، [٦] باب ما يحقن بالأذان من الدماء، عن أنس بن مالك: "أن النبي كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم. . . " الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>