للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حقائق الأمور كما يشعر به قوله: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم".

وروينا في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد اللَّه (١) أن رسول اللَّه بعث بعثًا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وإن رجلًا من المسلمين قصد غفلته -قال: وكنا نحدِّث أنه أسامة بن زيد- فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا اللَّه، فقتله، فجاء البشير إلى النبي فسأله، فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله فقال: "لم قتلته؟ " قال: يا رسول اللَّه أوجع في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا -وسمى له نفرًا- وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا اللَّه، قال رسول اللَّه : "أقتلته؟ " قال: نعم، قال: "فكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة؟ " قال: يا رسول اللَّه استغفر لي (٢)، قال: "وكيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة؟ " قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: "كيف تصنع بلا إله إلا اللَّه إذا جاءت يوم القيامة؟ " (٣).

وفيه ذكر ما يصرف عنه من غيره الإسلام، وحدَّة حميَّته لأهل دينه، كما يشعر قوله: "أوجع وقتل من المسلمين" كما يشعر به قوله: وإني حملت عليه، والتهمة المشعرة بها قوله: فلما رأى السيف قال: لا إله إلا اللَّه (٤).


(١) جندب بن عد اللَّه بن سفيان، أبو عبد اللَّه أبو سفيان البجلي العلقي الأحمسي، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. ترجمته: تهذيب التهذيب [٢/ ١١٧]، تقريب التهذيب [١/ ١٣٤، ١٣٥]، الكاشف [١/ ٨٨]، تاريخ البخاري الكبير [٢/ ٢٢١]، الجرح والتعديل [٢/ ٢١٠٢]، أسد الغابة [١/ ٣٦١] تجريد أسماء الصحابة [١/ ٩١]، الإصابة [١/ ٥٠٨]، الوافي بالوفيات [١١/ ١٩٣]، سير الأعلام [٣/ ١٧٤]، الثقات [٣/ ٥٦].
(٢) أما كونه لم يوجب على أسامة قصاصًا ولا دية ولا كفارة، فقد يستدل به لإسقاط الجميع، ولكن الكفارة واجبة والقصاص ساقط للشبهة؛ فإنه ظنه كافرًا، وظن أن إظهاره كلمة التوحيد في هذا الحال لا يجعله مسلمًا، وفي وجوب الدية قولان للشافعي، وقال بكل واحد منهما بعض من العلماء، ويجاب عن عدم ذكر الكفارة بأنها ليست على الفور، بل هي على التراخي، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على المذهب الصحيح عند أهل الأصول، وأما الدية على قول من أوجبها فيحتمل أن أسامة كان في ذلك الوقت معسرًا. "النووي في شرح مسلم [٢/ ٩١] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [١٦٠ - (٩٧)] كتاب الإيمان، [٤١] باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا اللَّه، والتبريزي في مشكاة المصابيح [٣٤٥١]، وابن كثير في تفسيره [٣/ ٥٩٨]، وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح [١٢/ ٣٠١].
(٤) روى مسلم في صحيحه [٤٣ - (٢٦)] كتاب الإيمان، [١٠] باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، عن عثمان قال: قال رسول اللَّه : "من مات وهو يعلم أن لا إله =

<<  <  ج: ص:  >  >>