للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو مظنة إيمانه.

وروينا فيهما من حديث أسامة بن زيد قال: "بعثني رسول اللَّه إلى الحُرقة من جهينة، فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا اللَّه، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ ذلك رسول اللَّه فقال لي: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا اللَّه" قلت: يا رسول اللَّه إنما كان متعوذًا، قال: "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا اللَّه" فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" (١).

وفي رواية: فقال رسول اللَّه : "أقال لا إله إلا اللَّه وقتلته؟ " قلت: يا رسول اللَّه إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا" فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ (٢)، ومعنى مُتعوِّذًا: معتصمًا بها من القتل، لا معتقدًا لها.

وفيه ذكر ما يصرف عنه وهي أنه قالها متعوذًا خوفًا من السلاح، وبيان حكمة الحكم بالظاهر، وهي سلامة مهجة الصادق كما يشير إليه قوله: "حتى تعلم أقالها خوفًا من السلاح أم لا".

وفيه أيضًا بيان سبب مشروعية الحكم بالظاهر، وهو قصور السر عن الاطلاع


= القصار: يعني لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك. "النووي في شرح مسلم [٢/ ٩١] طبعة دار الكتب العلمية".
(١) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٨٧٢] كتاب الديات، [٢] باب قول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢]، ومسلم في صحيحه [١٥٩ - (٩٦)] كتاب الإيمان، [٤١] باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا اللَّه، وأحمد بن حنبل في مسنده [٥/ ٢٠٠]. قوله : "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا" الفاعل في قوله: "أقالها" هو القلب، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان وقال: "أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب، يعني ولا تطلب غيره. وقوله: حتى تمنيتُ أني أسلمت يومئذ، معناه لم يكن تقدم إسلامي بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحو ما تقدم. "النووي في شرح مسلم [٢/ ٨٨] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [١٥٨ - (٩٦)] كتاب الإيمان، [٤١] باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا اللَّه، وأبو داود في سننه [٢٦٤٣]، والبيهقي في السنن الكبرى [٨/ ١٩، ١٩٢]، والسيوطي في الدر المنثور [١/ ٢٠٠]، وابن أبي شيبة في مصنفه [١٠/ ١٢٢]، وابن عبد البر في التمهيد [١٠/ ١٦١].

<<  <  ج: ص:  >  >>