للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديثين بيان الأسباب، والمحل إما محل الحكم، والظاهر بالدنيا فقط، وأما الآخرة، فمدار الحقائق كما يشعر به قوله: "وحسابهم على اللَّه".

وأما الأسباب فمنها: الاستصحاب كما في قوله: "أُمرت أن أقاتل" أي لأن الأصل عدم إيمانهم.

ومنها: إخبار العالم كما في ضميره الذي لا يعلم ما فيه إلا من جهته كما في قوله: "حتى يقولوا أو يشهدوا".

ومنها: اعتناء من أُمر بأعمال هي زاده ليوم مَعَاده بحيث يشق تضييع مثلها، فالتهاون في شرط أو فرض منها، كما في قوله: "ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة".

وروينا في الصحيحين من حديث أبي معبد مقداد بن الأسود (١) قال: قلت لرسول اللَّه : أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت للَّه، أأقتله يا رسول اللَّه بعد أن قالها؟ فقال: "لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" (٢).

معناه أنه معصوم الدم، محكوم بإسلامه، وأنت مباح الدم بالقصاص لورثته، لا أنه بمنزلته في الكفر.

وفيه ذكر بعض ما يصرف الناس عن الحكم بالظاهر وهو شهوة الانتقام المشعر به قوله: قطع إحدى يديه، ثم قال ذلك بعد ما قطعها.

وقوله: "وإنك بمنزلته قبل أن يقولها" (٣) أبلغ منقد وزاجر عن إلغاء قوله


(١) المقداد بن عمرو بن الأسود الكندي وكان حليفًا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرًا مع رسول اللَّه ، فالمقداد هذا هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، هذا نسبه الحقيقي، وكان الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة قد تبناه في الجاهلية، فنسب إليه وصار به أشهر وأعرف، وكان المقداد من أول من أسلم، قال عبد اللَّه بن مسعود : أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة منهم: المقداد، وهاجر إلى الحبشة، يكنى بأبي الأسود وقيل أبا عمرو، وقيل أبا معبد، واللَّه أعلم.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه [٦٨٦٥] كتاب الديات، مقدمته باب [١]، ومسلم في صحيحه [١٥٥ - (٩٥)] كتاب الإيمان، [٤١] باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا اللَّه، وأبو داود [٢٦٤٤]، وأحمد في مسنده [٦/ ٤، ٦/ ١٩٧]، وابن أبي شيبة في مصنفه [١٢/ ٣٧٨]، والتبريزي في مشكاة المصابيح [٣٤٤٩]، والألباني في إرواء الغيل [٨/ ١٣٦].
(٣) قال النووي: اختلف في معناه، فأحسن ما قيل فيه، وأظهره ما قاله الإمام الشافعي وابن القصار المالكي وغيرهما أن معناه: فإنه معصوم الدم محرم قتله بعد قوله لا إله إلا اللَّه كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد قتله غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله لا إله إلا اللَّه، قال ابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>