للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيها تنزيل النفس الواحدة منزلة الناس جميعًا في إساءة أو إحسان؛ لأن كل إنسان يُدلي مما يدلي به الآخر من الكرامات على اللَّه وثبوت الحرمة، فإذا قتل بغير حق فقد أهان ما كرَّم اللَّه وهتك حرمته، فإذا قتل بحق فقد عكس فالواحد والجمع إذن واحد، فالآية الأولى مرغِّبة في التعظيم من حيث إنه حرَّمه من حيث إنه شعار، والثالثة تعظيم خفض الجناح، والرابعة: تفخيم ما نوى من إحسان أو إساءة، فخفض الجناح (١) ذكر بين سبب ومرتبة، والسبب سابق وهي تابعة الموجود، وفي كل آية مُرغِّب يخصها.

ولنذكر أحاديث مدارها على بيان خاصة المؤمنين، وأصول معاملات الناس، وآثار الرحمة وأنواع الإثارة والتحذير من أذية أحد منهم، وأنواع من الأذى المجتنب والحقوق المؤداة ونوعهما اللذان هما نصرة تدفع المضرَّة، وكرامة تجلب بها المسرَّة.

فروينا في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" (٢).

قلت: فذلك نعمة تُشكر، ومصلحة تُنشر وتُحمد، وبذلك تنشط النفوس لتعظيم حرماتهم إذ هم عين الإنسان وعضده وقوة ضعفه وأنصاره في مهماته، ونحو ذلك.

وروينا فيها من حديثه أيضًا مرفوعًا: "من مرَّ في شئ من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحدًا من المسلمين منها شيء" (٣).


= أي من قتل نفسًا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها أي حرم قتلها واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، ولهذا قال: ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]. "تفسير ابن كثير [٢/ ٤٨] ".
(١) قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩)﴾ [الحجر: ٨٨، ٨٩].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه [٢٤٤٦] كتاب المظالم، [٥] باب نصر المظلوم، ومسلم في صحيحه [٦٥ - (٢٥٨٥)] كتاب البر والصلة والآداب، [١٧] باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، والترمذي في سننه [١٩٢٨] كتاب البر والصلة، باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم، والنسائي [٥/ ٧٩ - المجتبى]، وأحمد في مسنده [٤/ ٤٠٤، ٤٠٥]، وابن أبي شيبة في مصنفه [١١/ ٢٢، ١٣/ ٢٥٢]، والهيثمي في مجمع الزوائد [٨/ ٧٨، ٨٨].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه [٤٥٢] كتاب الصلاة، [٦٧] باب المرور في المسجد، ورقم [٧٠٧٥] كتاب الفتن، [٧] باب قول النبي : "من حمل علينا السلاح فليس منا"، ومسلم في صحيحه [١٢٤ - (٢٦١٥)] كتاب البر والصلة والآداب، [٣٤] باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>