للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى تطيش (١) تدور في نواحي الصحفة، وفيه من أنواع التأديب كنداء يا غلام، والأمر بضد المنكر، فمن أكل مما يليه لم تطش يده، وفي الطيشان إخجال يمنع المؤاكلة، وإنجاس له ولأمه من حيث أنه يتيم على مائدة متصدق مهان، فليراع المؤدب أمثال هذا، فعلى من هذه مكارمه أفضل صلاة وتسليم.

وفيه (٢) من مجازي التأديب ينال التناول، ويلحق به محاولة كل مفعول عادي بما بين الأكابر والعناية الشديدة.

وفيه بدئية التسمية والتيامن، وأن الأكل مما يليه أمر تأديب، وفي جميعها الإرشاد لحفظ العرض والوجاهة وتركه الطعام.

وفيه أن من أهل التأديب زوج الأم مع ما سلف ومن محله الربيب، ولاسيما كونه في الحجر، والصبي مع المخالط لقبول النصح، ولذلك قال: "لم تزل تلك طِعْمَتِي".

وفيه أن من أسباب التأديب الإساءة كما في الطيشان، ويلحق به كل عيب يعافه جليسه، ولا بد من كونه بغير عذر ليخرج الطيشان في الفاكهة.

وفيه من الحوادث الحاملة عليه الحنق والرحمة والنصيحة المفهومة من قوله: "يا غلام" فعليه من ربه المنان به على كل صغير وكبير أفضل صلاة وأزكى سلام.

وروينا في الصحيحين (٣) أيضًا من حديث ابن عمر مرفوعًا: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (٤)؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده


(١) قوله: تطيش، بكسر الطاء وبعدها مثناة تحت ساكنة، أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة ولا تقتصر على موضع واحد، والصفحة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع خمسة، فالقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه، وقيل: الصحفة كالقصعة، وجمعها: صحاف. "النووي في شرح مسلم [١٣/ ١٦٣] طبعة دار الكتب العلمية".
(٢) في هذا الحديث بيان ثلاث سنن من سنن الأكل، وهي التسمية والأكل باليمين، والثالثة: الأكل مما يليه، لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة، وترك مروءة؛ فقد يتقذره صاحبه لاسيما في الأمراق وشبهها، وهذا هو في الثريد والأمراق وشبهها، فإن كان تمرًا أو أجناسًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه، والذي ينبغي تعميم النهي حملًا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص. "النووي في شرح مسلم [١٣/ ١٦٣] طبعة دار الكتب العلمية".
(٣) تقدم تخريجه من قبل.
(٤) قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته. "النووي في شرح مسلم [١٢/ ١٨٠] طبعة دار الكتب العلمية".

<<  <  ج: ص:  >  >>