للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ (١) الآية، وفيها ازدراء الدنيا وتصغير أمرها كما يفهمه قوله: هذه، وكيف لا وهي لا تزن عند اللَّه جناح بعوضة (٢).

والمعنى وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها غير منتفعين بها بطائل إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون، وأن الآخرة ليس فيها إلا حياة مستمرة (٣) دائمة خالدة لا موت فيها، فكأنها في ذاتها حياة.

والحيوان مصدر حي، وأصله حييان، وفي بناء حيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في فعلان من معنى الحركة والاضطراب.

والحياة حركة كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معناه.

وحاصل هذه الآيات البدأة بذكر ما فيه الزائل الفاسد، ثم بما فيه الباقيات الصالحات (٤)، ثم بما يوضح مقاصد الزائل ووسائله الحقيرة، ثم ما ينهي عن الاغترار به، ثم بيان وبال عاقبة ذلك وهو الاغترار.

والآيات في الباب كثيرة مشهورة، ولنختم بالأحاديث، ومدارها على التحذير من الدنيا، وذكر سبب الانحدار بها، وما يسلي عنها وما ينفر عنها، وتحقير أمرها


(١) سورة العنكبوت [٦٤].
(٢) روى الترمذي [٢٣٢٠] في الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على اللَّه ﷿ عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللَّه : "لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها ضربة ماء".
(٣) روى مسلم في صحيحه [٤٠ - (٢٨٤٩)] كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، [١٣] باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه : "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت" قال: "فيؤمر به فيذبح" قال: "ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" قال: ثم قرأ رسول اللَّه : " ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)﴾ [مريم: ٣٩] " وأشار بيده إلى الدنيا.
(٤) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف: الباقيات الصالحات: الصلوات الخمس، وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس: الباقيات الصالحات: سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان عن الباقيات الصالحات ما هي؟ فقال: لا إله إلا اللَّه وسبحان اللَّه والحمد للَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم. "تفسير ابن كثير [٣/ ٨٨] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>