للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشوي لي كبدها، فأخذتني هجعة فنمت، فرأيت ملائكة نزلوا من السماء فكتبوا: فلان خرج للجهاد، وفلان للغنيمة، وفلان للمفاخرة، ثم وقفوا عليَّ وقالوا شهواني مسكين؛ اشتهى كبدًا مشويًا، فقلت: باللَّه لا تفعلوا، فأنا تائب إلى اللَّه، ثم قلت: يا رب لا أعود، يا رب لا أعود، أنا تائب إليك من سائر الشهوات. (١)

الثانية: عن الشيخ أبي الحسن المعاوري قال كنت عدة سنين معاورًا بالحرب، وعدة أخرى بالسياحة أدخل بلاد الكفار لأُمور أُؤمر بالدخول لأجلها، وحجابي بحكمي إن أردت رأوني، وإلا فلا.

فورد عليَّ أمر من جهة الرب -تعالى- بأن أدخل إلى بلادهم لأجتمع فيها برجل صديق، فدخلتها وأريتهم نفسي، فأخذوني أسيرًا، وخرج بي من أخذني، وكتفني وجاء بي إلى السوق ليبيعني، وكان هذا هو الطريق المقصود الذي أُمرت به.

فاشتراني رجل معتبر منهم، ووقفني على الكنيسة لأكون خادما فيها، فباشرت خدمتها أياما، وإذا بهم قد أحضروا بسطًا كثيرة ومباخر وطيبا كثيرا.

فقلت لهم: ما الخبر؟ قالوا: الملك عادته زيارة الكنيسة يومًا في السنة، فقد جاء وقت زيارته، فنحن نهيئها له ونحليها، ولا يبقى فيها أحد حتى يدخل وحده يتعبد فيها، فلما أغلقوها وبقيت أنا فيها احتجبت عنهم فلم يروني، وإذ بالملك قد جاء ففتحوها له ودخلها وحده، وأغلقوا عليه الباب، فدار بالكنيسة يفتشها، وأنا أنظر إليه، وهو لا يراني إلى أن اطمأن، فدخل المذبح الذي فيها وتوجه إلى القبلة، وكبَّر بالصلاة، فقيل لي هذا الذي أردنا لك الاجتماع به فتطهرت ووقفت وراءه حتى سلم من الصلاة، ثم التفت فرآني فقال: ما تكون؟ فقلت: مسلم مثلك. قال: وما جاء بك هنا؟ قلت: أنت، فأقبل عليَّ وسألني عن أمري، فأخبرته بما أمرت به من الاجتماع، ولم يكن لي طريق إلى ذلك إلا بصورة ما جرى من الأسر والبيع، واتخاذهم لي خادمًا للكنيسة، وتمكيني لهم من نفسي، جميع ذلك ليقع الاجتماع.

ففرح بي وكاشفني وكاشفته، ووجدته من كبار الصديقين، فقلت له: كيف حالك بين هؤلاء الكفار في باطن الأمر؟ فقال: يا أبا الحجاج لي فؤاد بينهم لا أبلغ مثلها لو كنت بين المسلمين، قلت له: صف لي، قال: توحيدي وإسلامي وأعمالي خالصة للَّه، ما لأحد اطلاع عليها، وآكل حلالًا (فيساو) (٢) ما فيه شبهة، وأنفع المسلمين


(١) وذلك في حديث: "من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه" وهو في البخاري [٧٤٥٨] ومسلم في الإمارة [١٤٩، ١٥٠، ١٥١] وتقدم من قبل فانظره.
(٢) كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>