للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ (١) الآية. فهو شأن المنافقين، وكفى به مقتا.

وروينا من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول اللَّه يقول حكاية عن اللَّه تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" (٢) أخرجه مسلم. وما أشد الإعراض.

وروينا عنه مرفوعا (٣): "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن (٤). قال: كذبت؛ ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّع اللَّه عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق لك فيها إلا أنفقت فيها لك. قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار" (٥) أخرجه مسلم.

وفيه الاهتمام بهؤلاء الثلاثة؛ إذ هم أول من يقضى فيهم، وما أقبح التوبيخ


(١) سورة النساء (١٤٢).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [٤٦ - (٢٩٨٥)] كتاب الزهد والرقائق، [٥] باب من أشرك في عمله غير اللَّه، والشجري في أماليه (٢/ ٢٢٣)، والمنذري في الترغيب والترهيب (١/ ٦٩)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ٢٦٣، ١٠/ ٥١، ٦٣)، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (٤/ ٢٤١).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [١٥٢ - (١٩٠٥)] كتاب الإمارة، [٤٣] باب من قاتل للرياء والسمعة واستحق النار، والحاكم في المستدرك (١/ ١٠٧، ٢/ ١١٠)، وأحمد بن حنبل في مسنده (٢/ ٣٢٢)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٢٠٥)، والمنذري في الترغيب والترهيب (١/ ٦١)، والزبيدي في الإتحاف (١٠/ ٤٥).
(٤) قوله في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير اللَّه وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] وفيه أن العمومات الواردة في فضل الجهاد إنما هي لمن أراد اللَّه تعالى بذلك مخلصا، وكذلك الثناء على العلماء وعلى المنفقين في وجوه الخيرات، كله محمول على من فعل ذلك للَّه تعالى مخلصا.
[النووي في شرح مسلم (١٣/ ٤٤، ٤٥) طبعة دار الكتب العلمية].
(٥) تقدم تخريجه في أول الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>