للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفية ثم بحث الأرض، فإذا الماء والطعام موضوع عن يمينه، فأكلنا وشربنا، فلما كانت الليلة الثالثة قالا لي: يا محمدي الليلة ليلتك، والنوبة نوبتك، فاستحييت، وقلت: يكون خيرًا إن شاء اللَّه -تعالى- ثم عدلت عنهما إلى جانب آخر وقلت بعد صلاة ركعتين: اللهم سيدي ومولاي إنك تعلم أن ذنوبي كثيرة بذي الجاه الجسيم محمد عليه أفضل صلاة وأعظم تسليم أن لا تخجلني بينهما (١) ثم التفتُّ فإذا بعين ماء جارية، وطعام عن يميني موضوع، فأكلنا وشربنا وحمدنا اللَّه، فلم نزل على ذلك إلى النوبة الثانية فدعوت بمثل ذلك فحصل مثل ذلك، فلما كان في الثالثة إذا طعام اثنين وشراب اثنين، فانكسر قلبي، فقالا: يا محمدي من أين دخل عليك؟ أما ترى هذا التقصير؟ فقلت لهما: الحكم حكمة عسر ويسر، وشدة ورخاء، ومنع وعطاء ليبلونا فقالا: صدقت يا محمدي، إن هذا رب عظيم، ودين سليم، فأسلما، وأقاما ببيت المقدس، وأنا معهما نرزق من حيث لا نحتسب إلى أن قضيا نحبهما.

الرابعة: عن إبراهيم الخواص أنه كان إذا أراد سفرًا لم يُعلم أحدًا، وإنما يأخذ ركوته ويمشي، ففعل ذلك يوما، قال أبو حامد الأسود: فتبعته، فقال لي: إلى أين؟ قلت: معك، قال: أنا أريد مكة، قلت: وأنا أريد ذلك، ثم انضم إلينا شاب نصراني فسأله فقال: ادعت نفسي أنها أحكمت حال التوكل فلم أصدقها فيما ادعت حتى أخرجها إلى هذه الفلاة التي ليس فيها موجود غير المعبود؛ أُثير ساكني، وأمتحن خاطري، فقام إبراهيم ومشى وقال: دعه يكون معك، فأتينا بطن بئر، فخلع إبراهيم خلقانه فطهرها بالماء، ثم جلس وقال له: ما اسمك؟ قال: عبد المسيح، فقال: يا عبد المسيح هذا دهليز مكة، ولا يدخله كافر (٢) فإياك أن تدخلها، فينكر عليك، فتركناه ودخلنا مكة، فبينا نحن بالموقف إذ به أقبل علينا وهو محرم، فقبل رأس


(١) فيما رواه الترمذي [٣٥٧٣] من حديث توسل فاقد البصر في دعائه الذي علمه النبي في قوله: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بالنبي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري، شفعه فيّ. . . . الحديث، قال الشوكاني في تحفة الذاكرين ص ١٣٨: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول اللَّه إلى اللَّه ﷿ مع اعتقاد أن الفاعل هو اللَّه وأنه المعطى والمانع، ما شاء اللَّه كان، وما لم لا لم يكن.
(٢) قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] أمر اللَّه -تعالى- عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام، وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية، وكان نزولها في سنة تسع، ولهذا بعث رسول اللَّه عليّا صحبة أبي بكر عامئذ وأمره أن ينادي في المشركين أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم اللَّه ذلك وحكم به شرعًا وقدرًا. تفسير ابن كثير [٢/ ٣٥٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>