للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هو مشتمل على أنواع من البر.

وصرفه البصر إشارة إلى السؤال.

وفي الحديث السالف صدح بأنه مجهود فلا منجا بعد بؤس. (١).

وروينا في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد في قصة البردة وأنه أخذها، وأن سائلا سألها فدفعها إليه رجاء أن تكون كفنه فكانت كفنه.

ولو ذكر في باب الجود كما فعل القشيري لكان أجود.

وروينا في الصحيحين من حديث أبي موسى مرفوعًا: "إن الأشعرين (٢) إذا أرملوا في الغزو، وقل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان في ثوب واحد، ثم اقتسموا بينهم في إناء واحد بالسويَّة، فهم مني وأنا منهم" (٣).

معنى أرملوا: فرغ زادهم أو قارب الفراغ.

وأما الحكايات: فالأولى عن الشبلي قال: خرجت ذات يوم أريد البادية فرأيت شابًا صغيرا نحيف الجسم أشعث أغبر عليه ثياب رثة، وهو جالس في الجبانة يمرغ خديه بين القبور وجعل يرمق السماء تارة بعد تارة، ويحرك شفتيه وتسيل الدموع من عينية وهو مستغرق في الذكر والاستغفار، فلا يشغله شاغل عن التسبيح والتقديس والتحميد والتعظيم، فلما رأيت الشاب على تلك الحال مالت نفسي إليه وطابت إلى لقائه فتركت الطريق التي أروح عليها وقصدت نحوه فلما رآني أقبلت إليه انتفض من مكانه وقام يمشي هاربًا فنهضت في إثره لعلى ألحقه فلم أقدر على إدراكه فقلت له: رفقًا يا ولي اللَّه، فقال: اللَّه.


(١) قال النووي في الحديث المتقدم: في هذا الحديث الحث على الصدقة والجود والمواساة والإحسان إلى الرفقة والأصحاب والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمر كبير القوم أصحابه بمواساة المحتاج وأنه يكتفي في حاجة المحتاج بتعرضه للعطاء وتعريضه من غير سؤال وهذا معنى قوله فجعل يصرف بصره أي متعرضًا لشيء يدفع به حاجته، وفيه مواساة ابن السبيل والصدقة عليه إذا كان محتاجًا وإن كان له راحلة وعليه ثياب أو كان موسرًا في وطنه ولهذا يعطي من الزكاة في هذه الحال واللَّه أعلم. [النووي في شرح مسلم (١٢/ ٣٠)].
(٢) في هذا الحديث فضيله الأشعريين وفضيلة الإيثار والمواساة وفضيلة خلط الأزواد في السفر وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر ثم يقسم، وليس المراد بهذا القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها ومنعها في الربويات واشتراط المراساة وغيرها، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضًا ومواساتهم بالموجود. [النووي في شرح مسلم [١٦/ ٥٢] طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه [٣/ ١٨١]، ومسلم في صحيحه [١٦٧ - (٢٥٠٠)] كتاب فضائل الصحابة، [٣٩] باب من فضائل الأشعريين. والبيهقي في السنن الكبرى [١٠/ ١٣٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>