فقلت: بحقه إلا ما صبرت، فأشار بأصبعه لا أفعل، وقال: اللَّه، فقلت له إن كان حقا ما تقول فأرني صدقك مع اللَّه، فنادي بصوت عال يا اللَّه، فوقع في الأرض مغشيا عليه، فدنوت منه فحركته فإذا هو ميت من ساعته، فتوهمت من ذلك وتعجبت من حالة صدقه مع اللَّه تعالى.
وقلت: يختص برحمته من يشاء، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه ثم تركته في موضعه وسرت إلى حي من الأحياء لآخذ في جهازه وإصلاح شأنه.
فلما رجعت إليه حجب عني، فطلبته في المكان فلم أجد له أثرًا ولا سمعت له خبرًا، فبقيت متحيرًا في أمر هذا الشاب وقلت: من سبقني إليه فسمعت قائلا يقول: يا شبلي قد كفيت أمر الفتى وما تولاه إلا الملائكة فعليك أنت بعبادة ربك، وأكثر الصدقة من مالك، فما بلغ الفتى ما بلغ إلا بصدقته يومًا في الدهر؟
فقلت: سألتك ياللَّه إلا ما أخبرتيني بصدقته يوما في الدهر ما هي؟.
فقال: يا شبلي إن هذا الفتى كان في أول عمره مذنبا عاصيا فاسقا زانيا فعرض اللَّه عليه رؤيا أفزعته وأتلفته وهي أنه رأى في المنام إحليله قد رجع ثعبانًا ودار بفيه ثم انطلق من فيه لهب النار فأحرقه حتى عاد كالفحمة السوداء فقام مسرعًا مرعوبًا وخرج فارًا بنفسه مشتغلًا بعبادة ربه، وله اليوم منذ رجع إلى الطاعة اثني عشرة سنة وهو على حالة التضرع والخشوع.
فلما كان أمس وقف له سائل سأله قوت يومه فخلع ثيابه وسلمها إليه، ففرح السائل بذلك وبسط كفيه ودعا له بالمغفرة، فأجاب اللَّه دعاءه فيه ببركة الصدقة التي فرَّحَهُ بها كما جاء في الحديث: "اغتنموا دعوة السائل عند فرحة قلبه بالصدقة".
الثانية: عن أبي جعفر بن خطاب ويقال إنه من الأبدال، قال: وقف على بأبي سائل، فقلت لزوجتي: هل معك شيء، قالت: أربع بيضات.
فقلت ادفعيهن للسائل، ففعلت.
فلما انصرف السائل أهدي إلي بعض إخواني مخلاة فيها بيض فقلت لزوجتي كم بيضة فيها؟
فقالت ثلاثون بيضة.
فقلت لها: ويحك أعطيت السائل أربع بيضات وجاءت ثلاثون أين حساب هذا؟
قالت: هن أربعون إلا عشرًا مكسورات.
وقيل: في هذه الحكاية كان ثلاث من البيض التي أعطت للسائل صحاح وواحدة مكسورة، فجاء بكل واحدة منهن عشرة على صفتها.