للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو منصوب بفعل محذوف، أي ثم بر أباك.

وفي رواية: "ثم أبوك" وهذا أوضح.

وفيه أن الأحق بالبر أُمُّ الإنسان، ثم أبوه بعدها ثم الأدنى بعده.

وروينا في صحيح مسلم عنه أيضا: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف" قيل: من؟ يا رسول اللَّه.

قال: "من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" (١).

قلت: فما أشد حسرته وخسرانه، ولا له من أحد رحمة لعامة تفريطه وشدة مهانته وتهاونه.

وروينا عنه أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي.

فقال: "لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم المَلَّ ولا يزال معك من اللَّه ظهير عليهم ما دمت على ذلك" (٢).

وتسفهم: بضم التاء وكسر السين المهملة، وتشديد الفاء، والمَلّ: بفتح الميم، وتشديد اللام وهو الرماد الحار من الألم، فلا شيء على المحسن إليهم لكن ينالهما إثم عظيم بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه.

وفيه أن من وصلته رحمة فقطعها كأنما يسفُّ المَلَّ وهو أشد غبنًا وحرقة من الذي قبله.

وفيه بيان أنواع من العلة وهي الصلة والإحسان والحلم.

وروينا في الصحيحين من حديث أنس مرفوعًا: "من أحب أن يُبسط في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" (٣).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه [٩ - (٢٥٥١)] كتاب البر والصلة والآداب، [٣] باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة. والترمذي [٣٥٤٥]، وأحمد في مسنده [٢/ ٢٥٤، ٣٤٦]، وأحمد في مسنده [٤/ ٣٤٤]، والسيوطي في الدر المنثور [٢/ ١٥٨]، المنذري في الترغيب والترهيب [٢/ ٥٠٧، ٥٠٨].
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه [٢٢ - (٢٥٥٨)] كتاب البر والصلة والآداب، [٦] باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها. وأحمد في مسنده [٢/ ٣٠٠]، قال النووي: المل: بفتح الميم الرماد الحار، وتُسِفُّهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء، والدافع لأذاهم وقوله أحلم عنهم بضم اللام، ويجهلون أي يسيئون والجهل هنا القبيح من القول ومعناه كأنما تطعمهم الرماد الحار. [النووي في شرح مسلم [١٦/ ٩٤] طبعة دار الكتب العلمية].
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه [٥٩٨٦] كتاب الأدب، [١٢] باب من بسط له في الرزق بصلة =

<<  <  ج: ص:  >  >>