للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغاص وجاءه بقبة من الكافور الأبيض لها أربعة أبواب: باب من دُرٍّ وباب من ياقوت وباب من جوهر وباب من زبرجد، والأبواب كلها مفتَّحة ولا يدخل فيها قطرة من الماء، وهي في داخل البحر في مكان عميق مثل ما غاص فيه العفريت الأول ثلاث مرات، فوضعها بين يدي سليمان وإذا في وسطها شاب حسن الشباب نقي الثياب وهو قائم يصلي، فدخل سليمان القبة وسلَّم على الشاب وقال له: ما أنزلك في قعر هذا البحر؟!

قال: يا نبي اللَّه، أبي كان رجلا مقعدا، وكانت أمي عمياء فأقمت في خدمتهما سبعين سنة، فلما حضرت أمي الوفاة قالت: اللهم أطل عمر ابني في طاعتك. ولما حضرت وفاة أبي قال: اللهم استخدم ابني في مكان لا يكون للشيطان عليه سبيل فيه. فخرجت إلى هذا الساحل بعدما دفنتهما فنظرت هذه القبة موضوعة فدخلتها لأنظر حسنها، فجاء ملك من الملائكة فاحتملها وأنزلت في قعر هذا البحر. قال سليمان: ففي أي زمان كنت أتيت هذا الساحل؟ قال: في زمن إبراهيم الخليل. فنظر سليمان في التاريخ فإذا له ألفا سنة وأربعمائة سنة، وإذا هو شاب لا شيب في لحيته، فقال له سليمان: ما طعامك وما شرابك داخل هذا البحر؟ قال: يا نبي اللَّه، يأتيني كل يوم طائر أخضر في منقاره شيء أصفر مثل رأس الإنسان فآكله فأجد فيه طعم كل شيء من نعيم الدنيا، فيذهب عني الجوع والعطش والحر والبرد والنوم والنعاس والفترة والوحشة، فقال له سليمان: تحب أن تقف معنا أو نرُدَّك إلى موضعك؟ فقال: رُدَّني يا نبي اللَّه. فأمر بردِّه مكانه فرده آصف، ثم قال لمن حوله: انظروا كيف استجاب اللَّه دعاء الوالدين، فأحذركم العقوق. حكاية ثانية عن الأصمعي (١) قال: مات ابن لأعرابية، فما زالت تبكي حتى خدت الدموع في خدها، ثم قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، اللهم إنك تعلم فرط حنو الوالدين على ولدهما فلذلك لم تأمرهما ببرهم، وعظمت وزْر عقوق الولد لوالديه، فمن أجل ذلك أمرته ببرِّهما وألزمته طاعتهما، وقد كان ولدي هذا بارا بوالديه فما يكون بر والدين بولدهما، فأخبره عني بذلك صلة ومغفرة ولذّة سرورا ونضرة. فغفر اللَّه له ورحمه بدعاء أمه.

ثالثة: قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل، وإذا أنا برجل يماشيني فعجبت منه ثم ألهمت أنه الخضر (٢)، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ قال: أخوك


(١) الأصمعي: هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مطهر بن رباح بن عمرو، أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري، صدوق سني، أخرج له مسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي، توفي سنة (٢١٣، ٢١٦، ٢١٠). (التهذيب (٦/ ٤١٥)، التقريب ١/ ٥٢١).
(٢) جمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح =

<<  <  ج: ص:  >  >>