للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رسول اللَّه بمكة. يعني في أول النبوة. فقلت له: ما أنت؟ (١) قال: "نبي". قلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني اللَّه". قلت: بأي شيء؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام وكسْر الأوثان، وأن يُوَحَّدَ اللَّه لا يُشرك به شيء"" (٢) وذكر تمام الحديث، وناهيك بهذا. وحاصل هذه الأحاديث بيان مرتبة البِرِّ ومنزلة الأبوة وبيان أهل البر والصلة وخاصتهما ونتائجهما وما يُرغِّب فيها ويغري بها وأحق الناس وشدَّة عين من قوَّمها، ولا سيما إن وصلته رحمه، وأنواع من الصلة وفائدتها ونفعها إن عاجلا وآجلا والتنبيه على ما يظن أنه صلة وليس كذلك، وأرجحية الصلة على كل صدقة ومعروف وما يظن مانعا منها ككفر أو قصد تصدق وليس مانعا، وعظيم موقعها عند العقلاء ومحلها، وما يظن أنه ليس بصلة، وأنها من أسباب دخول الجنة مضاعفة الصدقة، وتأكيد إيثار الرحم على حفظ النفس، وتفاوت مراتب الرحم، واستجابة دعاء الباب الوصول، وخرق العادة لمن يعرض على البر وهو من قصده، وأنه الرسالة الإلهية وناهيك بذلك.

وحكي أن اللَّه -سبحانه- أوحى إلى سليمان بن داود أن اخرج إلى ساحل البحر تنظر عجبا، فخرج ومن معه من الجن والإنس، فلما وصل إلى الساحل التفت يمينا وشمالا فلم ير شيئًا، فقال لعفريت معه: غُص هذا البحر ثم ائتني بعلم ما تجده. فغاصه ثم رجع بعد ساعة فقال: يا نبي اللَّه، إني ذهبت في هذا البحر مسيرة كذا وكذا فلم أصل إلى قعره ولا نظرت فيه شيئًا. ثم أمر آخر بذلك فأخبره بمثل ما أخبر الأول وغاص مثل الأول مرتين، فقال لآصف بن برخياء. وهو وزيره، وهو المعني بقوله: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ (٣): ائتني بعلم هذا البحر.


(١) قوله: "فقلت له ما أنت" قال النووي: إنما قال: ما أنت، ولم يقل: من أنت؛ لأنه سأله عن صفته لا عن ذاته، والصفات مما لا يعقل. قوله : "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد اللَّه لا يشرك به شيء" هذا فيه دلالة ظاهرة على الحث على صلة الأرحام؛ لأن النبي قرنها بالتوحيد ولم يذكر له حزبات الأمور، وأنما ذكر مهمها وبدأ بالصلة. (النووي في شرح مسلم (٦/ ١٠١) طبعة دار الكتب العلمية).
(٢) أخرجه سسلم في صحيحه [٢٩٤ - (٨٣٢)] كتاب صلاة المسافرين وقصرها، [٥٢] باب إسلام عمرو بن عنبسة، والبيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٤٥٤، ٦/ ٣٦٩).
(٣) سورة النمل (٤٠). قال ابن عباس: وهو آصف كاتب سليمان، وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخياء، وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم، وقال قتادة: كان مؤمنا من الإنس واسمه أسطوم، وقال قتادة في رواية عنه: كان اسمه بليخا، وقال زهير بن محمد: هو رجل من الإنس يقال له ذو النور، وقال مجاهد: قال: يا ذا الجلال والإكرام. وقال الزهري: قال يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدًا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها. (تفسير ابن كثير (٣/ ٣٧٦)).

<<  <  ج: ص:  >  >>