تدب، فأخذت حجرًا فأردت قتلها، فهربت مسرعة، فوقفت على شاطئ النيل، فوثبت العقرب عليها، فغدت بها إلى ذلك فتبعتها، ونزلت عن ظهرها وإذا بنائم سكران أقبل عليه ثعبان ليلدغه، فلدغتها العقرب فتقطع الثعبان قطعًا، فأيقظت الرجل فقام فزعًا، فلما رأى الثعبان ولى هاربًا.
فقلت له: لا تخف كفيت أمره، وقصصت عليه القصة، فأطرق برأسه ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب هكذا تفعل بمن عصاك، فكيف تفعل بمن أطاعك، وعزتك وجلالك لا أعصيك بعدها أبدًا، ثم ولى باكيًا وهو يقول:
يا راقدًا والجليل يحرسه … من كل سوء يدن في الظلم
كيف تنام العيون عن ملك … تأتيك منه فوائد النعم
سبحان من خلق الأشياء وقدرها … ومن يجود على العاصي ويستره
يخفي القبيح ويبدي كل صالحة … ويغمد العبد إحسانا ويشكره
ويغفر الذنب للعاصي ويقبله … إذا أناب وبالغفران يجبره
ومن يلوذ به في دفع نائبة … يعطيه من فضله عزًا وينصره
ولا يضيع مثقالًا لمجتهد … في ماله بل يربيه ويؤخره
ومن يكن قلبه من ذنبه دنسًا … فبالمدافع والتقوى يطهره
وليس للعبد تصريف وأن له … مولى يغنيه أو إن شاء يفقره
فلا الحذار ينجي العبد من قدر … يريده اللَّه أو أمر يدبره
ونسأل اللَّه حقًا حسن خاتمة … عند الممات وصفوًا لا يكدره
الثالثة: حكي أن إبراهيم بن أدهم (١) مر بسكران مطروح على قارعة الطريق، وقد طفح سكره من فمه، فنظر إليه إبراهيم وقال: أي لسان أصابته هذه الآفة وقد ذكر اللَّه به، فدنا منه وغسل فمه فلما أفاق أُخبر بفعل إبراهيم فخجل، فتاب فحسنت توبته، فرأى إبراهيم فيما يرى النائم كان قائلا يقول له: طهرت لأجلنا فمه، فطهرنا لأجلك قلبه.
(١) إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، أبو إسحاق العجلي، وقيل التميمي البلخي الزاهد، أحد الاعلام، يروي عن أبيه ومنصور ومحمد زياد الجمحي وأبي إسحاق وأبي جعفر الباقر ومالك بن دينار والأعمش وجماعة، وعنه الثوري وشقيق البلخي وأبو إسحاق الفزاري وبقية وضمرة بن ربيعة ومحمد بن حمير وخلف بن تميم. انظر تاريخ الإسلام، وفيات [١٦١ - ١٧٠].