للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا من حديث أبي هريرة : "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول اللَّه فقالوا: يا رسول اللَّه، ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم. فقال: "وما ذاك؟ " فقالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق (١). فقال رسول اللَّه : "أفلا أُعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلَّا من صنع مثل ما صنعتم؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دُبُرَ كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة". فرجع المهاجرين إلى رسول اللَّه فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول اللَّه : "ذلك فضل اللَّه يُؤتيه من يشاء". أخرجاه (٢) والسياق لمسلم. والدُّثُور: الأموال الكثيرة. وإنما ذهبوا بذلك لقيامهم بالتعظيم لأمر اللَّه صلاة وصيامًا وتسبيحًا وحمدًا، وبالشفقة على خلق اللَّه تصدقًا وإعتاقًا. وقد أقر عليه الشارع أولًا وصرَّح به آخرًا؛ إذ قال: "ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء" وغير بعيد مع ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (٣) فإنه يؤتيكم ذلك. وحاصل الأحاديث بيان أن الغني الشاكر أهل فضل اللَّه العظيم، وأنه يرتفع فيه أبصار الخلائق حتى يحسد حقا فما أعم نفعه وأحمد جميعه.


(١) قوله: "ذهب أهل الدثور" هو بالثاء المثلثة، واحدها دثر، وهو المال الكثير، وفي هذا الحديث دليل لمَنْ فَضَّل الغَنِّيَ الشاكر على الفقير الصابر، وفي المسألة خلاف مشهور بين السلف والخلف من الطوائف، واللَّه أعلم. [النووي في شرح مسلم (٥/ ٧٨، ٧٩) طبعة دار الكتب العلمية].
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه (٨٤٣) كتاب الأذان، [١٥٥] باب الذكر بعد الصلاة، ورقم (٦٣٢٩) كتاب الدعوات، [١٨] باب الدعاء بعد الصلاة، ومسلم في صحيحه [١٤٢ - (٥٩٥)] كتاب المساجد ومواضع الصلاة، [٢٦] باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
(٣) سورة النساء (٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>