للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروينا من حديثه مرفوعًا: "ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم؛ شيخ زَانٍ وملك كذَّاب وعائل مستكبر" (١) أخرجه مسلم. والعائل: الفقير. وما أشد من اجتمع عليه هؤلاء الثلاثة لا سيما كلام محبوبه. وفيه أن الكبر قد يفحش ببعض (محاله) (٢) فإنه لأشد قبحا بالعائل المتكبر.

وروينا عنه مرفوعًا: "العزُّ إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذَّبته" (٣) أخرجه مسلم. وأي مصيبة أعظم ممن ينازع رب الأرباب في ذلك وهو من طين وماء مهين، ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: ٥٦]، وإن تعذيبه لأقل جزائه.

وروينا من حديثه أيضًا مرفوعًا: "بينما رجل يمشي في حُلَّة يعجب نفسه مُرجِّل رأسه يختال في مشيته إذ خسف اللَّه به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" (٤) أخرجاه. مُرجِّل: ممشِّط. ويتجلجل تحتهن: يغوص وينزل. وفيه أبلغ الحذر من الإعجاب بالنفس وإن لم يكن كالكبر.

وروينا من حديث سلمة بن الأكوع مرفوعًا: "لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يُكتب في الجبَّارين فيصيبه ما أصابهم" (٥) رواه الترمذي وحسَّنه. ويذهب: يرتفع ويتكبر، وفيه التحذير من البوادي المؤدية إلى الإعجاب.


= والترمذي في سننه (١٧٣٠)، وابن ماجه (٣٥٧٤)، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٩٠).
(١) أخرجه مسلم في صحيحه [١٧٢ - (١٠٧)] كتاب الإيمان، [٤٦] باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية.
(٢) كذا بالأصل.
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه [١٣٦ - (٢٦٢٠)] كتاب البر والصلة والآداب، [٣٨] باب تحريم الكبر، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٥٦٢)، والزبيدي في الإتحاف (٨/ ٣٣٨).
قال النووي: الضمير في إزارة ورداؤه يعود إلى اللَّه تعالى للعلم به، وفيه محذوف تقديره: قال اللَّه تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه، ومعنى ينازعني يتخلف بذلك فيصير في معنى المشارك، وهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه، وأما تسميته إزارا ورداءً فمجاز واستعارة حسنة كما تقول العرب: فلان شعاره الزهد ودثاره التقوى لا يريدون الثوب الذي هو شعارا ودثارا، بل معناه صفته. [النووي في شرح مسلم (١٦/ ١٤٣) طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٧٨٩) كتاب اللباس، [٥] باب من جر ثوبه من الخيلاء، ومسلم في صحيحه [٤٩ - (٢٠٨٨)] كتاب اللباس والزينة، [١٠] باب تحريم التبختر في المشي مع إعجاب بثيابه.
(٥) أخرجه الترمذي في سننه (٢٠٠٠) كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الكبر، والمنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>