للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشعر به: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١)[هود: ٧١]. وقال تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ (١) أي من بلغه الكبر، والبشارة الخير الصدق الأول. وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ (٢) الآية. والآيات في ذلك كثيرة. وأما الأحاديث فكثيرة أيضًا جدًّا مشهورة في الصحيح وغيره، نذكر منها أربعة:

أولها: حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى أن رسول اللَّه : "بشَّر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب" (٣) أخرجاه. والقَصَب هنا اللؤلؤ المجوف. والصَّخب: الصياح واللغط. والنَّصب: التعب. وما أعظم هذه البشارة، فقد حازت قصب السَّبق بسيد المرسلين.

ثانيها: حديث أبي موسى الأشعري أنه: "توضأ في بيته ثم خرج فقال: لألزمنَّ رسول اللَّه ولأكوننَّ معه يومي هذا، فجاء إليه فوجده ببئر أريس وقد توسَّط قُفَّها وكَشَف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلَّمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت: لأكونَنَّ بوَّابه. . . " فذكر الحديث. وفيه أن الصَّديق جاء فأذِنَ له وبشَّره بالجنة، ثم جاء عمر كذلك وفعلا كفعل رسول اللَّه (٤)، ثم جاء عثمان وأَذِنَ له


= بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الحجر: ٥٣]. وقال تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب، فيكون من ذريته عقب ونسل، وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه، وهو صغير؛ لأن اللَّه تعالا قد وعدهما بأنه سيعقب ويكون له نسل، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرًا. [تفسير ابن كثير (٤/ ١٤)].
(١) سورة آل عمران (٣٩).
(٢) سورة آل عمران (٤٥).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٨١٩) كتاب مناقب الأنصار، [٢٠] باب تزوج النبي خديجة وفضلها، ومسلم في صحيحه [٧٢ - (٢٤٣٣)] كتاب فضائل الصحابة، [١٢] باب فضائل خديجة أم المؤمنين.
قال النووي: قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف، كالقصر المنيف، وقيل: قصب من ذهب منظوم بالجوهر، قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف قصب. وقال الخطابي وغيره: المراد بالبيت هنا القصر، وأما الصخب فبفتح الصاد والخاء، وهو الصوت المختلط المرتفع، والنصب المشقة والتعب، ويقال فيه: نُصب، بضم النون فيسكان الصاد وبفتحهما، لغتان حكاهما القاضي وغيره كالحزن، والفتح أشهر وأفصح، وبه جاء القرآن، وقد نصب الرجل بفتح النون وكسر الصاد: إذا أعيا. [النووي في شرح مسلم (١٥/ ١٦٢) طبعة دار الكتب العلمية].
(٤) قوله في أبي بكر وعمر أنهما "دليا أرجلهما في البئر كمال دلاهما النبي فيها": هذا فعلاه للموافقة، وليكون أبلغ في بقاء النبي على حالته وراحته، بخلاف ما إذا لم يفعلاه، فربما استحيا منهما فرفعهما. وفي هذا دليل للغة الصحيحة أنه يجوز أن يقال: دليت الدلو في البئر، ودليت رجلي وغيرها فيه: كما يقال: أدلت، قال اللَّه تعالى: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ [يوسف: ١٩] [النووي في شرح مسلم (١٥/ ١٤٠) طبعة دار الكتب العلمية].

<<  <  ج: ص:  >  >>