للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأجله من موانع قبوله وغير ذلك من أسبابه وأهله ومحله كما يحرفه أهله، وافهم قوله: "من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه" ضد عكسه، وأنه لا يراد به خير، وكفى به حسرة وشقاء.

وروينا من حديث ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه : "لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه اللَّه مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه اللَّه الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها" (١) أخرجاه.

والمراد بالحسد الغبطة (٢)، وهو أن يتمنى مثله، والمراد بالحكمة هنا الفقه في الدين كما فسرها به، والقضاء والتعليم هو فائدة الحكمة واليقين والفقه في الدين.

وروينا فيها من حديث أبي موسى قال: قال رسول اللَّه : "مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضا، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء (٣) وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع اللَّه بها الناس؛ فشربوا منا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين اللَّه، ونفعه ما بعثني اللَّه به فلعم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدي اللَّه الذي أرسلت به" (٤).

قلت: فالأول: العالم علم الدراية.

والثاني: رواية كالأجداب.

والثالث: من لا علم له.


(١) أخرجه البخاري [٧٣]، كتاب العلم، [١٦]، باب الاغتباط في العلم والحكمة، ومسلم في صحيحه [٢٦٨ - (٨١٦)] كتاب صلاة المسافرين وقصرها، [٤٧]، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، والترمذي [١٩٣٦]، وابن ماجه [٤٢٠٨]، والمنذري في الترغيب والترهيب [١/ ٩٨٠]، وابن عبد البر في التمهيد [٦/ ١٢٠]، وأبو نعيم في حلية الأولياء [٧/ ٣٦٣]، والحميدي في مسنده [٧/ ٦]، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين [١/ ١١٦، ٩/ ٦٦٥].
(٢) قوله "لا حسد إلا في اثنتين. . . " قال العلماء: الحسد قسمان؛ حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة، وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين، وما في معناهما. النووي في شرح مسلم [٦/ ٨٤، ٨٥] طبعة دار الكتب العلمية.
(٣) في البخاري: فكان منها نقية قبلت الماء.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه [٧٩] كتاب العلم، [٢١] باب فضل من علم وعلّم، والمنذري في الترغيب والترهيب [١/ ٩٩]، والسيوطي في الدر المنثور [٣/ ٥٤]، والتبريزي في مشكاة المصابيح [١٥٠]، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار [١/ ١٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>