للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أنا بجارية لم أر أحسن منها وجهًا عليها ثياب حرير خُضر، وفي رجليها نعلان يُسبحان، والزمامان يُقدِّسان وهي تقول: يا ابن زيد، جِدَّ في طلبي فإني طلبتك.

ثم جعلت تقول:

من يشترينى ومن يكن سكنى … يا من في ريحه من الغبن

قلت: ما ثمنك؟ فأنشأت تقول:

محبة اللَّه ثم طاعته … وطول فكر يُشَاب بالحزن

فقلت: لمن أنت؟ فقالت:

لمالك لا يرد لي ثمنًا … من خاطب قد أتاه بالثمن

قال الراوي: فانتبه عبد الواحد وآلى على نفسه أن لا ينام الليل، وكان من الجماعة الذين يصلون الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة من السلف الصالح ونفعنا بهم.

السابعة: عن الشيخ أبي بكر الضرير قال: كان في جواري شاب حسن الوجه يصوم النهار ولا يُفطر، ويقوم الليل ولا ينام، فجاء يومًا وقال: يا أستاذ إني نمت عن وردي الليلة فرأيت كأن محرابي قد انشق، وكأني، بجواري قد خرجن من المحراب لم أر أحسن وجهًا منهُنّ، وإذا فيهنَّ واحدة سوها لم أر أقبح منها منظرًا.

فقلت: لمن أنتنَّ ولمن هذه؟

فقُلنّ: نحن لياليك التي مضين، وهذه ليلة يومك فلو مِت في ليلتك هذه لكانت هذه حظُك.

ثم أنشأت تقول:

اسأل لمولاك وأرددنى إلى حالى … فأنت قبحتنى من بين أشكالى

لا ترقُدنَّ الليالي ما حييت فإن … نمت الليالي مَهَنَ الدهر أمثالى

نحن السرور لمن نار السرور بنا … جوف الظلام بسكنى المنزل العالى

وقد أُردْت بخير إذا وُعِظتَ بنا … فأبشر فأنت من الموالى على بالى

قال: فأجابتها جارية من الحسان تقول:

أبشر بخير فقد نلت الغنى أبدًا … في جنه الخلد في روضات جنات

نحن الليالي اللواتي كنت تخطُبنا … جوف الظلام بلوعات وزفرات (١)


(١) زفر: زفرًا وزفيرًا: أخرج نفسه بعد مدَّه إياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>