للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت رسول اللَّه بمنى على جمل وتحته رحلٍ رثّ، فلم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك فقيل: يا أمير المؤمنين إنه بهلول المجنون (١)، فقال هارون: قد عرفت، قل يا بهلول (٢) فقال:

هب أنك قد ملكت الأرض طرًا … وكان لك البلاد إذا فماذا

أليس غدًا مصيرك جوف قبر … ويحثوا التراب هذا ثم هذا

فقال الرشيد: أفغيره، فقال: يا أمير المؤمنين من رزقه اللَّه جمالا ومالا فعفَّ عن جَمَاله، وواسى في ماله، كُتِبَ في ديوان الأبرار.

فظن الرشيد إنه عرض بذلك يريد شيئًا. فقال قد امرنا بقضاء دينك يا بهلول، فقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين لا تقض دينًا بدين، اردد الحق إلى أهله، واقض دين نفسك من نفسك. قال: قد أمرنا أن نجري عليك.

فقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، لا يعطيك وينساني.

أجري على الذي أجرى عليك، لا حاجة لي في جرايتك.

الثامنة: يروى أن الرشيد حج ماشيًا من المدينة إلى مكة، ففرش له في الطريق اللَّبود (٣) المدغرى فاستند يومًا إلى ميل ليستريح وقد تعب فإذا هو بسعدون المجنون قد عارضه وهو يقول:

هب الدنيا تواتيك … أليس الموت يأتيك

فما تصنع بالدنيا … وظل الميل يكفيك

وأيا طالب الدنيا … دع الدنيا لشانيك

وكما أضحكك الدهر … كذاك الدهر يُبكيك

فشهق الرشيد شهقة خرّ مغشيًا عليه.

التاسعة: كان ابن عمر إذا رأى ما أحدث الناس من الزينة والمحامل يقول:


= (٢/ ١٢٤)، تاريخ البخاري الكبير (٧/ ١٧٨) الجرح والتعديل (٧/ ١٢٧)، الثقات (٣/ ٣٤٤) أسد الغابة (٤/ ٣٩٣)، الإصابة (٥/ ٤٢٢)، سير الأعلام (٣/ ٤٥١).
(١) تأتي ترجمته عقب هذا.
(٢) البهلول بن عمرو، أبو وهب الصيرفي الكوفي وُسْوِسَ في عقله، وما أظنه اختلط أو قد كان يصحو في وقت، وهو معدود في عقلاء المجانين، له كلام حسن وحكايات، وقد حدث عن عمرو بن دينار وعاصم بهدلة، وأيمن بن نايل، وما تعرضوا له بجرح ولا تعديل، ولا كتب عنه الطلبة، كان حيًّا في دولة الرشيد. [تاريخ الإسلام وفيات (١٨١ - ١٩٠)].
(٣) اللَّبد: كل شعر أو صوف متلبد وما يوضع تحت السرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>